بنت الشهابي
New member
القصة الكاملة لخلفيات محاكمة الشيخ الجمري والإفراج عنه
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت [/frame]مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.
بقلم د. منصور الجمري (26 يوليو 1999)
الحدث الذي هز البحرين
في 7 يوليو 1999 أصدرت محكمة أمن الدولة برئاسة عبد الرحمن جابر آل خليفة وعضوية على منصور (مصري) ومحمد رأفت مصطفى برغش ( مصري) حكما قاسيا على الشيخ عبد الأمير الجمري بالسجن عشر سنوات ودفع غرامة قدرها 15 مليون دولار (5.7 مليون دينار). جاء هذا الحكم بعد أربعة جلسات، عقدت الأولى في 21 فبراير 1999 وكانت مدتها 45 دقيقة قرأت فيها التهم الموجهة للشيخ الجمري تضمنت خمسة تهم أساسية وهي:
1 - جناية السعي و التخابر مع من يعملون لمصلحة دولة أجنبية.
2 - جناية إدارة منظمة ترمي إلى قلب نظام الحكم بالقوة.
3 - جناية التحريض على اتفاق الغرض منه ارتكاب جناية الإتلاف العمدي للمباني والأملاك العامة.
4 - جنحة التحريض على إتلاف أموال خالصة ثابتة ومنقولة مما ترتب عليه حمل حياة الناس وأمنهم في خطر.
5 - جنحة إذاعة أخبار و إشاعات كاذبة وبث دعايات مثيرة في داخل البلاد وخارجها من شأنها النيل من هيبة الدولة واعتبارها ولضرب الأمن العام.
وكان من المتوقع أن تعقد الجلسة الثانية في 7 مارس، إلا أن وفاة الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، في 6 مارس أدى إلى تأجيل المحاكمة حتى 4 يوليو. وهذه الجلسة (الثانية) كانت [/frame]مدتها قرابة 40 دقيقة. أما الجلسة الثالثة والجلسة الرابعة لم تستغرق كل واحدة منهما أكثر من 5 دقائق. الجلسة الثانية عقدت في 4 يوليو وتمكن الدفاع من إحضار أربعة شهود احدهم ابن الشيخ الجمري ( المهندس محمد جميل ) وكل من الأستاذ عبد الوهاب حسين والأستاذ حسن المشيمع وكلاهما موقوف منذ يناير 1996. وقد تحدث رئيس محكمة أمن الدولة مع المحامين لإقناعهم بعدم استدعاء شهود آخرين كان الدفاع سيطلبهم وهؤلاء كانوا بالتحديد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عيسى الجودر والسيد جواد الوداعي. وكان الدفاع يريد - إثبات بطلان ادعاء الحكومة بأن الشيخ الجمري له ارتباطات خارجية من خلال شهادة رفاق دربه في المشروع الوطني ( اثنان من السنة وهم علي ربيعة وعيسى الجودر) وشخصية دينية شيعية مرموقة متمثلة في السيد جواد الوداعي.
غير أن رئيس محكمة أمن الدولة قال لبعض المحامين " بأن الشيخ الجمري صديقي وأنا أعلم بأن تهمة التخابر ليست جدية ولن تكون هدفا للمحكمة خصوصا وأن القيادة العليا في البلاد طلبت تخليص موضوع الشيخ الجمري بسرعة". والادعاء العام ايضا اوحى بأنه لن يصر على هذه التهم. غير أن هدف محكمة أمن الدولة اتضح لاحقا، لأنها أدانت الشيخ الجمري في آخر المحاكمة بتهمة التخابر، واصبح واضحا بعد ذلك أن القاضي كان سيوضع في حرج فيما لو استدعى الشهود الثلاثة. فإدانة الشيخ الجمري بالتخابر لأنه طالب مع آخرين (من السنة) بمطالب وطنية سوف يكون أمرا غير معقولا. كما أن السيد جواد الوداعي لديه علاقات دينية مماثلة للشيخ الجمري، وإذا أدين الشيخ الجمري بالتخابر مع دولة أجنبية ( إيران ) فإن جميع علماء الشيعة تلزم إدانتهم بنفس التهمة لأنهم جميعا لديهم علاقات دينية منذ القدم مع كل من النجف الأشرف في العراق وقم المقدسة في إيران.
في الجلسة الثانية، شهد الشهود أنهم جميعا ليس لهم علاقة بأي من التهم الموجهة للشيخ الجمري، وأن الشيخ كان يشارك الشعب في مطالبه بصورة علنية تشهد بذلك جميع نشاطاته وخطبه واتصالاته ونهجه. أما الجلسة الثالثة، فكانت للإدعاء العام لكي يطرح رده على الشهود. إلا أن الإدعاء العام لم يقدم أي شهود، لأن جميع الملفات التي قدمها هي عبارة عن اعترافات لأشخاص موقوفين واكتفى الادعاء العام بتسليم مذكرة مكتوبة مملوءة بالعبارات الشعرية والشتائم البذيئة مثل وصف الشيخ الجمري "بالأفعى"، وشتمه بأسلوب لا يليق بمهنة الإدعاء أو القضاء. ولذلك فإن الجلسة لم تدم أكثر من خمس دقائق بعد تسليم مذكرة الادعاء العام. استلم الدفاع المذكرة وذهب للرد عليها في اليوم التالي 7 يوليو. وفي صباح 7 يوليو سلم الدفاع مذكرة مكتوبة لقضاة محكمة أمن الدولة. وبعد دقيقة من استلام المذكرة المكتوبة، فتح القاضي ورقة وقرأ حكما قاسيا دون أن يطلع على رد الدفاع. وانتهت الجلسة بعد أقل من خمس دقائق من انعقادها.
الهزة التي أحدثتها هذه المحكمة لم تتوقع مردوداتها الحكومة. فقد كانت الأوضاع هادئة منذ تولي الشيخ حمد آل خليفة مقاليد الحكم في 6 مارس إثر وفاة والده. وكانت فصائل المعارضة قد دعت للهدوء وقدمت العزاء للأمير الجديد وتمنت أن يكون عهده عهد إصلاح وخير. وأمل الشعب كثيرا بعد سماع تصريحات الأمير التي تحدثت عن تغييرات وإصلاحات ومساواة بين المواطنين. إلا أن الحكم القاسي غير كل شيء، وعاد الوضع للتوتر مرة أخرى، وانتشرت الكتابات الجدارية وبدأت الحرائق الاحتجاجية في العودة وسمعت أصوات اسطوانات الغاز التي يفجرها أبناء الشعب تعبيرا عن احتجاجهم. هذا الوضع المتفجر كان على موعد مع هزة أخرى في اليوم التالي.
ففي صباح الثامن من يوليو، كان الوضع متأزما ومتفجرا، إلا أنه ومع الظهيرة نشرت الحكومة خبرا بأنها سوف تفرج عن الشيخ الجمري في حدود الساعة الثالثة بعد الظهر. واتصل مكتب رئيس الوزراء بمنزل الشيخ الجمري وطلب لقاء عاجلا مع اثنين من أبناء الشيخ الجمري (محمد جميل وصادق) وكان الاثنان قد استدعيا من قبل جهاز المخابرات في صباح ذلك اليوم. بعد ان عادا للمنزل قرابة الساعة الثانية عشرة والنصف علما عن استدعائهما لجلسة طارئة مع رئيس الوزراء. وهكذا وصلا إلى مكتب رئيس الوزراء، وكان في استقبالهما الأخير وابرز حفاوة لهما وجلس معهما لمدة نصف ساعة قال فيها أنه " ليس لديه شئ ضد الشيخ الجمري وأنه يعرفه منذ أيام المجلس الوطني ولكن أطراف أخرى دخلت بيننا"، وأخبرهما أن الشيخ الجمري سيفرج عنه قبل الساعة الخامسة عصرا.
رجع ابنا الشيخ الجمري إلى المنزل، وكان هناك اتصال آخر بصادق يطلب منه أخذ ثياب علماء الدين التي يلبسها الشيخ الجمري والتوجه بها إلى سجن القلعة. وهناك كان الشيخ على موعد آخر. إذ طلبت منه المخابرات الذهاب للأمير لتعزيته بوفاة الأمير السابق. ولكنه عندما وصل إلى قصر الأمير في الرفاع فوجيء بوجود رموز العائلة الحاكمة ومجلس الوزراء. وقبل دخوله سلمت له ورقة لقراءة "رسالة اعتذار" أمام كل من الأمير ورئيس الوزراء وولي العهد وجميع أعضاء مجلس الوزراء. وكان هناك طاقم تلفزيوني كامل التجهيزات يصور كل شئ ليعرضه في الساعة السابعة مساءً على تلفزيون البحرين، وليشاهد الشعب كيف "يقدم الشيخ الجمري اعتذاره"، وكيف يطلب العفو وكيف يتحدث عن تعهده بالالتزام بالشروط التي طلبتها وزارة الداخلية. الكاميرا لم تكن أمينة في النقل، فقد حذفت عبارات وحركات هنا وهناك.
قبل ساعتين من العرض التلفزيوني كانت الشوارع قد امتلأت بأبناء الشعب الذين انهالوا من كل حدب وصوب للقاء الشيخ الجمري. إلا أن قوات مكافحة الشغب انتشرت في كل مكان، وما أن تفرقت الحشود حتى سيطرت قوات الأمن والمخابرات ومكافحة الشغب على جميع المنافذ وفرضت حصارا مستمرا منعت تجمع أبناء الشعب ومنعت وصول الأشخاص إلى منطقة بني جمرة التي يسكنها الشيخ الجمري. وهكذا فرض الحصار على منزل ومنطقة سكنى الشيخ الجمري بعد الإفراج، والحصار مستمر حتى كتابة هذه السطور.
خلفيات الحدث الدرامي
أولا: الاعتقال الأول والمبادرة
وضع الشيخ الجمري في 1 أبريل 1995 تحت الإقامة الجبرية وقتل اثنان من جيران الشيخ الجمري عند محاصرة المنزل ثم نقل إلى المعتقل وبقي هناك حتى 25 سبتمبر 1995. وفي نهاية أبريل 1995 تقدم الشيخ الجمري مع رفاقه بمبادرة لتهدئة الوضع مقابل الإفراج عن الموقوفين والمعتقلين، على أن يتم تقديم المطالب السياسية بعد عودة الهدوء. افرج عن " جماعة المبادرة" في أغسطس وسبتمبر 1995، وعاد الهدوء وانتشرت الأفراح في البحرين. غير أن وزارة الداخلية لم تطلق الموقوفين والمعتقلين الذين وعدت بالإفراج عنهم، بل واستمرت المحاكمات مما وضع جماعة المبادرة في حرج شديد، أدى بهم لإعلان الاعتصام داخل منزل الشيخ الجمري والإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام حتى 1 نوفمبر 1995. وفي 1 نوفمبر اجتمع قرابة 80 ألف مواطن أمام منزل الشيخ الجمري معلنين التضامن والصمود، وكان هذا اكبر تجمع في تاريخ البحرين.
استشاطت الحكومة غيظا وبدأت المصادمات تزداد داخل المساجد بين قوات الأمن وأبناء الشعب، وتصاعدت وتيرتها حتى 21 يناير 1996، عندما أعيد اعتقال جميع أفراد المبادرة وجميع الخطباء وعلماء الدين والنشطاء والذين ظهروا على السطح خلال الفترة المنصرمة.
ثانيا: الاعتقال الثاني والزنزانة الانفرادية
وضع الشيخ الجمري في زنزانة انفرادية مباشرة بعد اعتقاله في الساعات الأولى (بعد منتصف الليل) في 21 يناير 1996، لمدة تزيد على تسعة شهور. ونعرف هذه الحقيقة من رسالة استطاع الشيخ الجمري تسريبها لاحقا إلى عائلته مؤرخة بتاريخ 2 نوفمبر 1996 يقول فيها ما يلي (وهي موجهة لزوجة الشيخ "أم جميل"):
" بسمه تعالى، قرة العين أم جميل، أعزائي وعزيزاتي، فسلام من الله عليكم ورحمة وبركات، وبعد:
فأحمد الله سبحانه على عظيم نعمه علي، ومنها نعمة السجن، لتكفير ذنوبي، وإعلاء درجتي إذا شاء سبحانه، ومواساتي ومشاركتي لإخواني وأبنائي السجناء والغرباء، وحصولي على تربية نفسية عالية، وإتاحة فرصته كبيرة لعبادته سبحانه وتلاوة كتابه، فله المنة وله الحمد.
قرة العين، أحبائي، حبيباتي: ما اعظم شوقي إليكم، وما اشد حنيني لرؤيتكم، شوق الواله الحزين، وحنين المفارق والمعذب. وليكن ذلك، وليكن السجن، فما عسى أن يكون مهما عظم بلاؤه - في سبيل الله تعالى، وبسبب قضية عادلة، ومن اجل شعب عظيم وفي سبيل يستحق أن يفدى بأغلى الأشياء.
أحبائي بلغني ما حصل للحبيبة منى (زوجة ابن الشيخ الجمري المهندس محمد جميل الذي كان معتقلا أيضا لقضاة فترة سجنه لمدة عشر سنوات - بدأت منذ 1988) من اعتقال شهرين، وذلك بعد الإفراج عنها، وقد كدر هذا وجدي وضاعف ألمي، ولكن ذلك بعين الله تعالى. بلغني مرض العزيز صادق ورقاده بالمستشفى عشرة أيام وذلك بعد أن رخص، فلله الحمد والمنة على شفائه، وكفى وكفيتم كل بلاء.
بعد مرور 9 أشهر و12 يوما في السجن الانفرادي جيء إليّ - بفضل الله ومنه- بالشيخ علي أحمد، فكان كالماء البارد على قلب الظمآن، في الحر الشديد، فلله الحمد والمنة.
أحبائي: لا تقلقوا، فالفرج قريب تلوح أمامي تباشيره ومؤشراته. اجل : سنعود بإذن الله تعالى، وستعود الابتسامة على الثغور الحبيبة، والراحة إلى النفوس المتعبة... وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا. تحياتي لكل الأهل والأبناء وأبناء العم والجيران وتحياتي وأشواقي للغائبين جمع الله الشمل معهم، والى اللقاء، يا كل الأحبة، القريب القريب بإذن الله تعالى ودمتم محروسين".
توضح الرسالة المذكورة الوضع القاسي الذي كان يعيشه الشيخ الجمري في الزنزانة الانفرادية لا يعلم ماذا حصل في هذه الفترة التي شهدت معظم الحوادث الخطيرة في فترة الانتفاضة التي بدأت في ديسمبر 1994.