"سفيرة الزهراء"
New member
[frame="1 80"]
حقيقة الغضب
مقدمة
الغضب غريزة كامنة موجودة في النفس، وتتبلور هذه الغريزة في آفاق متعددة، فتكون تارة حميَّة، وتارة غيرة ..، وقد تتطور في الاتجاه المعاكس فتكون تارة حسداً، وتارة عدواناً ...
فما الذي يجعل من الغضب حميِّة في موقع وغيرة في موقع آخر، وينقلب في مواقع أخرى إلى عدوان وحسد وبغض ؟
عندما نمعن النظر في أية ظاهرة من ظواهر الغرائز والسلوك فإننا سنراها كشبكة متفرعة تتصل بعضها فتتداخل، وتختلف مسميات الغريزة حسب طاقة الفرد وقدرته على تطوير الغريزة لديه، وهو أمر لا يحتاج إلى برهان بل مشاهد وملموس بالوجدان .. فالحليم – مثلاً – لا يُعدم من الغضب البتة بل أنه من واقع حلمه وضبط سلوكه يتجلى غضبه في المواقع الحميدة من حمية وغيرة وما عداهما، بخلاف غير الحليم فقد يتطور غضبه من الحالة السوية إلى مرض يخرج به إلى الانحراف في السلوك والطبائع فيكون حسداً أو بغضاً أو غيرهما.
وإذا أردنا أن نؤرخ لتعريف علماء الأخلاق المسلمين للغضب كظاهرة سلوكية فإننا سنجدهم يصدرون في تعريفهم للغضب عن العلامة الغزالي وخاصة في كتابه الذائع (إحياء علوم الدين).
فأنت عندما تقرأ ما كتبه كل من: الفيض الكاشاني في (المحجة البيضاء)، وابن قدامة المقدسي في (مختصر منهاج القاصدين)، والعلامة النراقي في (جامع السعادات)، والشيخ عباس القمي في (سفينة البحار)، والسيد عبد الله شبر في (الأخلاق)، وغيرهم تراهم أجمعوا على ما جاء في الإحياء للعلامة الغزالي.
ونكتفي بما أورده الفيض الكاشاني (قده) حيث قال يصف الغضب: "الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطّلع على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد إستكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد، كما يستخرج الحجر النار من الحديد. وقد انكشف للناظرين بنور اليقين، أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين، فمن استفزته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان".
ولحدوث الانفعال شروط ثلاثة:
1 ـ المنبّه أو المثير . وقد يكون (خارجياً) مثل سماع خبر مفرح، وقد يكون (داخلياً) كتذكر حادثة مؤلمة.
2 ـ كائن حي إنساني بتكوينه العصبي الراقي وبخبراته السابقة، بحيث يستقبل المثيرات المختلفة.
3 ـ الاستجابة الانفعالية بمصاحباتها الوجدانية كالفرح أو الحزن وما يترتب على ذلك من تغيرات جسمية داخلية (كسرعة دقات القلب) وظواهر سلوكية خارجية (كاحمرار الوجه) .
وفي رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله): " اتقوا الغضب فإنه جمرة في قلب ابن آدم ..."
وعن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر u قال: " إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم وإنّ أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه ..."
وهناك عدة روايات أيضاً تلتقي في جوهرها مع هاتين الروايتين والتي يمكن أن نستخلص منها أمرين مهمين يرتكز عليهما محور الغضب في روايات المعصومين (عليهم السلام) :
1 ـ أنّ محل قوة الغضب هو القلب.
2 ـ مفتاحٌ لبابِ شرٍ يدخل منه الشيطان على الإنسان.
فما المقصود من القلب ؟
وما المقصود من الشيطان ؟
وربما قادنا البحث إلى أن هذه العلاقة ذكرت أيضا في كتب الحكماء الأقدمين قبل الإسلام، وكان تعبيرهم مقترناً كثيراً بكلمة (الشيطان)، كفاعل في تهييج الأمزجة وخاصة عند صاحب المزاج الناري ـ إن صح التعبير ـ كما نلاحظ هذا التعبير واضحاً في آراء وروايات كتب أهل السنة أيضاً، مما يدلل لنا على أن منبع هذه الفكرة ذو جذور عند الأقدمين.
فأنت تقرأ في كتب أهل السنة ـ على سبيل المثال ـ:
" الغضب من الشيطان" .
" الغضب ميسم من نار جهنم "
وتقرأ أيضاً في مقولات حكماء العالم القديم:
" الغضب شيطان الفضاضة ".
" قوة الغضب الحقد، ومأواه اللجاجة والحرص، ومن ذخائر الشيطان اللجاجة والحقد ".
ومن هذا المنطلق نهيئ أنفسنا للوقوف أمام هذين الأمرين المهمين لندرس ما جاء في كتب الحديث عنهما حتى يتسنى لنا تعبيد الطريق لمعرفة هاتين الركيزتين اللتين لم تطرحا عبثاً واعتباطاً، بل انطلاقاً من النظرة الإلهية الشمولية لواقع الإنسان، وعلينا ـ بما أننا مسلمون ـ أن نقتنع بما جاء عن الشرع المقدس لاعتقادنا الجازم المتفرع عن دليل التوحيد، بأنه متى صح هذا من ناحية علمية شرعية، لزم اعتقادنا به لأنه من خالق الإنسان ـ وهو الله تعالى ـ وهو أعلم بتركيبه وما فيه من أسرار، وخفيات هي غيبيات بالنسبة لنا .
الآثار الناجمة عن الانفعالات الغضبية في نفس الإنسان:
1 ـ تغير لون الوجه بسبب تصاعد الدم فيه، وحدوث رعشـة في عموم الجسم، وخروج الأفعال عن نظام الترتيب.
2 ـ إظهار المساوئ، والشماتة والاستهزاء، وإفشاء الأسرار حيث يصل معها إلى هتك الستر للسخرية والتندر.
3 ـ فلتات اللسان بما لا يليق من الكلام .. ومما يشهد له التأريخ في هذا توثب أم المؤمنين السيدة عائشة وكان ما كان من قولها: "اقتلــوا نعثلاً فقد كفر".
وقد أشار أمير المؤمنين u بهذا في كتابه لأهل الكوفة عندما خرجت السيدة عائشة لقتاله، قال u: " أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه ..، وكان من عائشـة فيه فلتة غضب، فأتيح له قوم فقتلوه".
4 ـ توثب الأعضاء بالضرب والجرح والتمزيق .. حتى أنه لينال من أقرب الناس إليه كولده وزوجته.
5 ـ ذهاب السكينة والوقار من الإنسان.
6 ـ وقد يصدر منه علاوة على بعض الحركات القبيحة والمستهجنة والتي هي من أفعال الصبيان أو المنحرفين أن يقوم بكسر الأواني أو تمزيق أوراقه المهمة أو يقوم بضرب الحيوان والتخاطب معه بصورة خالية من التعقل.
7 ـ ويصل في حالة العجز عن التشفي إلى أن يؤذي نفسه بخمش وجهه أو جرح عضو من أعضائه تنفيساً لحالة العجز تلك.
8 ـ قد تؤدي الانفعالات الغضبية إلى أمراض اجتماعية على صعيد الأسرة أو المجتمع بفعل توفر مناخ العداوة والنفور والبغضاء بين بعض الأفراد.
9 ـ لقد كشفت التجارب النفسية والفسيولوجية من وجود آثار صعبة سيئة لمن يخضع لحالات طويلة من الانفعالات الحادة كالقلق والغضب والتوتر، وذلك لأن تعرض الإنسان لحالات شديدة من الانفعال يؤدي إلى زيادة إفرازات العصارة المعدية في بطنه، وهذه الإفرازات عبارة عن عصارة حمضية، تؤدي كثرتها إلى تآكل جدران المعدة أو الأمعاء، فيحدث نتيجة لذلك جروح مبتلة بجدران المعدة، تتحول إلى قرح، وهي قرحة المعدة أو القولون أو الاثنى عشر.
نحصر أسباب الغضب في ثلاثة:
1 ـ أسباب داخلية عضوية:
ونقصد به ما يطرأ على الجسم من اختلال عضوي كالعاهات والتشوهات الخَلقية، وخاصة المزمنة منها، فإنها قد تؤثر في النفس وتساعد على انحرافها، وتسيطر هذه المؤثرات بصورة فعالة عند أصحاب النفوس (الحساسة)، فتكون في كثير من الأحايين في معرض مقارنة بين ما هو عليه من اعتلال وتشوه خلقي وبين ما يتمتع به أقرانه من صحة وسلامة.
وإن كانت هذه لا تؤخذ كقاعدة مسلمة إذ هناك كثير من الناس أبدعوا برغم عللهم وأمراضهم المزمنة، إلا أننا نقول إن العاهة أحد أسباب التوترات الانفعالية ـ ومنها الغضب ـ الذي يفرغه المصاب بسبب العجز الذي يصاحبه من فقدان الشعور بإحساس الرضا، إما لكونه شخصاً لا نفع فيه بسبب عاهته، أو لأنه لا يصل إلى مستوى لياقة الآخرين من نظرائه.
2 ـ أسباب خارجية اجتماعية:
وتتحدد هذه الأسباب بدور الأسرة، والعادات، والتقاليد، والمحيط، والبيئة، والثقافة ... وغيرها. وهذه الآثار ضرورة يتلبس بها الفرد لأنها جزء من ظواهر حياته التي يتفاعل معها، فلها مسؤولية مشتركة في تطبيع سلوك الإنسان إلا أنّ جانب التأثير يختلف من عامل لآخر.
أولاً: الأسرة:
وكلنا يعلم أنه بالرغم من صغر حجم الأسرة إلا أنها تعتبر أقوى نظم المجتمع. فهي النظام الذي عن طريقه نكتسب إنسانيتنا، كما أنه لا يوجد طريقة أخرى لصياغة الإنسان سوى تربيته في الأسرة. فهي المهد الحقيقي للطبيعة الإنسانية، والتجربة الضرورية لتحويل المولود إلى مخلوق إنساني يعيش في انسجام مع الآخرين.
ويسهل للأسرة كثيراً من الوظائف الأساسية التي تدخل في نطاق اختصاصها. كالوظيفة الاقتصادية، ووظيفة منح المكانة، والوظيفة التعليمية، ووظيفة الحماية، والوظيفة الدينية، والوظائف الترفيهية ... وبفقدان هذه الوظائف تتعرض الأسرة لمظاهر التخلل البيولوجي والنفسي.
فالأبوان لهما كبير الأثر في السلوك الانفعالي، ولذلك نشاهد أول دور يتلقى فيه الطفل صدمته الأولى في عمليات الإحباط والقمع من الأبوين والتي هي من الأسباب المباشرة للغضب ومن ثم يتطور إلى سلوك عدواني.
ثانياً: مشكلة الأبناء:
وتتمثل في انعدام الثقة والترابط بينهم، وأبسط مثال يقع هو تفضيل أحد الأبناء على الآخرين فإن المظاهر الانفعالية بين الطرفين ستتأزم وتأخذ صورها في أدوار غضبية وخاصة من طرف غير المرغوب فيه أو المفضل عليه مما يؤدي إلى نشر العداوة بين الأطراف.
ثالثاً: مشكلة العادات والتقاليد:
فالعادات متصلة الواحدة مع الأخرى اتصالاً اجتماعياً بحيث تكون نظاماً متماسكاً يفسر الشيء الكثير عن أسرار وحقيقة المجتمع . ونحن بطبيعة الحال لا نستطيع مشاهدة التقاليد بل مشاهدة حالات السلوك الإنساني، أي أنماط السلوك التي تتأثر بدوافع وعوامل الخبرات السابقة والعراقيل التي تقف أمامه.
ولا شك أنّ العراقيل التي تقف أمام تطور الإنسان، وتحاول أن تسلخه عن مواكبة أي تطور، تأخذ صورها بشكل انفعالات غضبية تمثل حالة الرفض بين الطرفين مما يورث سلوكاً عدوانياً بينهما. فقد ورد عن أمير المؤمنين u: " أصعب السياسات نقل العادات "
رابعاًً: مشكلة الثقافة:
لا ينكر أحد دور الثقافة في تجنب كثير من الأخطاء لما يملكه الفرد من رصيد علمي عن واقعية الحياة النفسية والتربوية والاجتماعية، ومدى وقوفه على حل قضاياه حسبما يقتضيه العلم الصحيح .. وأما غير المثقف فان المناعة عنده ضعيفة، ومن هنا نراه يعالج القضايا بصورة ساذجة، أو بصورة خاطئة، وقد تدفعه الأخطاء إلى تلفظ الكلمات البذيئة، أو القيام بحركات انفعالية تنم عن الغضب والحنق، لقصوره عن أداء أموره بصورة لائقة مهذبة.
3 ـ أسباب مشتركة:
بحيث يكون التأثير بأسـباب متعددة في فرد واحد، وكثير ما تتداخل الأمراض والعوارض بعضهـا مع بعض فتسـبب مرضاً واحداً .
[/frame]
حقيقة الغضب
مقدمة
الغضب غريزة كامنة موجودة في النفس، وتتبلور هذه الغريزة في آفاق متعددة، فتكون تارة حميَّة، وتارة غيرة ..، وقد تتطور في الاتجاه المعاكس فتكون تارة حسداً، وتارة عدواناً ...
فما الذي يجعل من الغضب حميِّة في موقع وغيرة في موقع آخر، وينقلب في مواقع أخرى إلى عدوان وحسد وبغض ؟
عندما نمعن النظر في أية ظاهرة من ظواهر الغرائز والسلوك فإننا سنراها كشبكة متفرعة تتصل بعضها فتتداخل، وتختلف مسميات الغريزة حسب طاقة الفرد وقدرته على تطوير الغريزة لديه، وهو أمر لا يحتاج إلى برهان بل مشاهد وملموس بالوجدان .. فالحليم – مثلاً – لا يُعدم من الغضب البتة بل أنه من واقع حلمه وضبط سلوكه يتجلى غضبه في المواقع الحميدة من حمية وغيرة وما عداهما، بخلاف غير الحليم فقد يتطور غضبه من الحالة السوية إلى مرض يخرج به إلى الانحراف في السلوك والطبائع فيكون حسداً أو بغضاً أو غيرهما.
وإذا أردنا أن نؤرخ لتعريف علماء الأخلاق المسلمين للغضب كظاهرة سلوكية فإننا سنجدهم يصدرون في تعريفهم للغضب عن العلامة الغزالي وخاصة في كتابه الذائع (إحياء علوم الدين).
فأنت عندما تقرأ ما كتبه كل من: الفيض الكاشاني في (المحجة البيضاء)، وابن قدامة المقدسي في (مختصر منهاج القاصدين)، والعلامة النراقي في (جامع السعادات)، والشيخ عباس القمي في (سفينة البحار)، والسيد عبد الله شبر في (الأخلاق)، وغيرهم تراهم أجمعوا على ما جاء في الإحياء للعلامة الغزالي.
ونكتفي بما أورده الفيض الكاشاني (قده) حيث قال يصف الغضب: "الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة إلا أنها لا تطّلع على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد إستكنان الجمر تحت الرماد، ويستخرجها الكبر الدفين من قلب كل جبار عنيد، كما يستخرج الحجر النار من الحديد. وقد انكشف للناظرين بنور اليقين، أن الإنسان ينزع منه عرق إلى الشيطان اللعين، فمن استفزته نار الغضب فقد قويت فيه قرابة الشيطان".
ولحدوث الانفعال شروط ثلاثة:
1 ـ المنبّه أو المثير . وقد يكون (خارجياً) مثل سماع خبر مفرح، وقد يكون (داخلياً) كتذكر حادثة مؤلمة.
2 ـ كائن حي إنساني بتكوينه العصبي الراقي وبخبراته السابقة، بحيث يستقبل المثيرات المختلفة.
3 ـ الاستجابة الانفعالية بمصاحباتها الوجدانية كالفرح أو الحزن وما يترتب على ذلك من تغيرات جسمية داخلية (كسرعة دقات القلب) وظواهر سلوكية خارجية (كاحمرار الوجه) .
وفي رواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله): " اتقوا الغضب فإنه جمرة في قلب ابن آدم ..."
وعن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام الباقر u قال: " إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم وإنّ أحدكم إذا غضب احمرت عيناه وانتفخت أوداجه ودخل الشيطان فيه ..."
وهناك عدة روايات أيضاً تلتقي في جوهرها مع هاتين الروايتين والتي يمكن أن نستخلص منها أمرين مهمين يرتكز عليهما محور الغضب في روايات المعصومين (عليهم السلام) :
1 ـ أنّ محل قوة الغضب هو القلب.
2 ـ مفتاحٌ لبابِ شرٍ يدخل منه الشيطان على الإنسان.
فما المقصود من القلب ؟
وما المقصود من الشيطان ؟
وربما قادنا البحث إلى أن هذه العلاقة ذكرت أيضا في كتب الحكماء الأقدمين قبل الإسلام، وكان تعبيرهم مقترناً كثيراً بكلمة (الشيطان)، كفاعل في تهييج الأمزجة وخاصة عند صاحب المزاج الناري ـ إن صح التعبير ـ كما نلاحظ هذا التعبير واضحاً في آراء وروايات كتب أهل السنة أيضاً، مما يدلل لنا على أن منبع هذه الفكرة ذو جذور عند الأقدمين.
فأنت تقرأ في كتب أهل السنة ـ على سبيل المثال ـ:
" الغضب من الشيطان" .
" الغضب ميسم من نار جهنم "
وتقرأ أيضاً في مقولات حكماء العالم القديم:
" الغضب شيطان الفضاضة ".
" قوة الغضب الحقد، ومأواه اللجاجة والحرص، ومن ذخائر الشيطان اللجاجة والحقد ".
ومن هذا المنطلق نهيئ أنفسنا للوقوف أمام هذين الأمرين المهمين لندرس ما جاء في كتب الحديث عنهما حتى يتسنى لنا تعبيد الطريق لمعرفة هاتين الركيزتين اللتين لم تطرحا عبثاً واعتباطاً، بل انطلاقاً من النظرة الإلهية الشمولية لواقع الإنسان، وعلينا ـ بما أننا مسلمون ـ أن نقتنع بما جاء عن الشرع المقدس لاعتقادنا الجازم المتفرع عن دليل التوحيد، بأنه متى صح هذا من ناحية علمية شرعية، لزم اعتقادنا به لأنه من خالق الإنسان ـ وهو الله تعالى ـ وهو أعلم بتركيبه وما فيه من أسرار، وخفيات هي غيبيات بالنسبة لنا .
الآثار الناجمة عن الانفعالات الغضبية في نفس الإنسان:
1 ـ تغير لون الوجه بسبب تصاعد الدم فيه، وحدوث رعشـة في عموم الجسم، وخروج الأفعال عن نظام الترتيب.
2 ـ إظهار المساوئ، والشماتة والاستهزاء، وإفشاء الأسرار حيث يصل معها إلى هتك الستر للسخرية والتندر.
3 ـ فلتات اللسان بما لا يليق من الكلام .. ومما يشهد له التأريخ في هذا توثب أم المؤمنين السيدة عائشة وكان ما كان من قولها: "اقتلــوا نعثلاً فقد كفر".
وقد أشار أمير المؤمنين u بهذا في كتابه لأهل الكوفة عندما خرجت السيدة عائشة لقتاله، قال u: " أما بعد فإني أخبركم عن أمر عثمان حتى يكون سمعه كعيانه ..، وكان من عائشـة فيه فلتة غضب، فأتيح له قوم فقتلوه".
4 ـ توثب الأعضاء بالضرب والجرح والتمزيق .. حتى أنه لينال من أقرب الناس إليه كولده وزوجته.
5 ـ ذهاب السكينة والوقار من الإنسان.
6 ـ وقد يصدر منه علاوة على بعض الحركات القبيحة والمستهجنة والتي هي من أفعال الصبيان أو المنحرفين أن يقوم بكسر الأواني أو تمزيق أوراقه المهمة أو يقوم بضرب الحيوان والتخاطب معه بصورة خالية من التعقل.
7 ـ ويصل في حالة العجز عن التشفي إلى أن يؤذي نفسه بخمش وجهه أو جرح عضو من أعضائه تنفيساً لحالة العجز تلك.
8 ـ قد تؤدي الانفعالات الغضبية إلى أمراض اجتماعية على صعيد الأسرة أو المجتمع بفعل توفر مناخ العداوة والنفور والبغضاء بين بعض الأفراد.
9 ـ لقد كشفت التجارب النفسية والفسيولوجية من وجود آثار صعبة سيئة لمن يخضع لحالات طويلة من الانفعالات الحادة كالقلق والغضب والتوتر، وذلك لأن تعرض الإنسان لحالات شديدة من الانفعال يؤدي إلى زيادة إفرازات العصارة المعدية في بطنه، وهذه الإفرازات عبارة عن عصارة حمضية، تؤدي كثرتها إلى تآكل جدران المعدة أو الأمعاء، فيحدث نتيجة لذلك جروح مبتلة بجدران المعدة، تتحول إلى قرح، وهي قرحة المعدة أو القولون أو الاثنى عشر.
نحصر أسباب الغضب في ثلاثة:
1 ـ أسباب داخلية عضوية:
ونقصد به ما يطرأ على الجسم من اختلال عضوي كالعاهات والتشوهات الخَلقية، وخاصة المزمنة منها، فإنها قد تؤثر في النفس وتساعد على انحرافها، وتسيطر هذه المؤثرات بصورة فعالة عند أصحاب النفوس (الحساسة)، فتكون في كثير من الأحايين في معرض مقارنة بين ما هو عليه من اعتلال وتشوه خلقي وبين ما يتمتع به أقرانه من صحة وسلامة.
وإن كانت هذه لا تؤخذ كقاعدة مسلمة إذ هناك كثير من الناس أبدعوا برغم عللهم وأمراضهم المزمنة، إلا أننا نقول إن العاهة أحد أسباب التوترات الانفعالية ـ ومنها الغضب ـ الذي يفرغه المصاب بسبب العجز الذي يصاحبه من فقدان الشعور بإحساس الرضا، إما لكونه شخصاً لا نفع فيه بسبب عاهته، أو لأنه لا يصل إلى مستوى لياقة الآخرين من نظرائه.
2 ـ أسباب خارجية اجتماعية:
وتتحدد هذه الأسباب بدور الأسرة، والعادات، والتقاليد، والمحيط، والبيئة، والثقافة ... وغيرها. وهذه الآثار ضرورة يتلبس بها الفرد لأنها جزء من ظواهر حياته التي يتفاعل معها، فلها مسؤولية مشتركة في تطبيع سلوك الإنسان إلا أنّ جانب التأثير يختلف من عامل لآخر.
أولاً: الأسرة:
وكلنا يعلم أنه بالرغم من صغر حجم الأسرة إلا أنها تعتبر أقوى نظم المجتمع. فهي النظام الذي عن طريقه نكتسب إنسانيتنا، كما أنه لا يوجد طريقة أخرى لصياغة الإنسان سوى تربيته في الأسرة. فهي المهد الحقيقي للطبيعة الإنسانية، والتجربة الضرورية لتحويل المولود إلى مخلوق إنساني يعيش في انسجام مع الآخرين.
ويسهل للأسرة كثيراً من الوظائف الأساسية التي تدخل في نطاق اختصاصها. كالوظيفة الاقتصادية، ووظيفة منح المكانة، والوظيفة التعليمية، ووظيفة الحماية، والوظيفة الدينية، والوظائف الترفيهية ... وبفقدان هذه الوظائف تتعرض الأسرة لمظاهر التخلل البيولوجي والنفسي.
فالأبوان لهما كبير الأثر في السلوك الانفعالي، ولذلك نشاهد أول دور يتلقى فيه الطفل صدمته الأولى في عمليات الإحباط والقمع من الأبوين والتي هي من الأسباب المباشرة للغضب ومن ثم يتطور إلى سلوك عدواني.
ثانياً: مشكلة الأبناء:
وتتمثل في انعدام الثقة والترابط بينهم، وأبسط مثال يقع هو تفضيل أحد الأبناء على الآخرين فإن المظاهر الانفعالية بين الطرفين ستتأزم وتأخذ صورها في أدوار غضبية وخاصة من طرف غير المرغوب فيه أو المفضل عليه مما يؤدي إلى نشر العداوة بين الأطراف.
ثالثاً: مشكلة العادات والتقاليد:
فالعادات متصلة الواحدة مع الأخرى اتصالاً اجتماعياً بحيث تكون نظاماً متماسكاً يفسر الشيء الكثير عن أسرار وحقيقة المجتمع . ونحن بطبيعة الحال لا نستطيع مشاهدة التقاليد بل مشاهدة حالات السلوك الإنساني، أي أنماط السلوك التي تتأثر بدوافع وعوامل الخبرات السابقة والعراقيل التي تقف أمامه.
ولا شك أنّ العراقيل التي تقف أمام تطور الإنسان، وتحاول أن تسلخه عن مواكبة أي تطور، تأخذ صورها بشكل انفعالات غضبية تمثل حالة الرفض بين الطرفين مما يورث سلوكاً عدوانياً بينهما. فقد ورد عن أمير المؤمنين u: " أصعب السياسات نقل العادات "
رابعاًً: مشكلة الثقافة:
لا ينكر أحد دور الثقافة في تجنب كثير من الأخطاء لما يملكه الفرد من رصيد علمي عن واقعية الحياة النفسية والتربوية والاجتماعية، ومدى وقوفه على حل قضاياه حسبما يقتضيه العلم الصحيح .. وأما غير المثقف فان المناعة عنده ضعيفة، ومن هنا نراه يعالج القضايا بصورة ساذجة، أو بصورة خاطئة، وقد تدفعه الأخطاء إلى تلفظ الكلمات البذيئة، أو القيام بحركات انفعالية تنم عن الغضب والحنق، لقصوره عن أداء أموره بصورة لائقة مهذبة.
3 ـ أسباب مشتركة:
بحيث يكون التأثير بأسـباب متعددة في فرد واحد، وكثير ما تتداخل الأمراض والعوارض بعضهـا مع بعض فتسـبب مرضاً واحداً .
[/frame]