• أعضاء ملتقى الشعراء الذين لا يمكنهم تسجيل الدخول او لا يمكنهم تذكر كلمة المرور الخاصة بهم يمكنهم التواصل معنا من خلال خاصية اتصل بنا الموجودة في أسفل الملتقى، وتقديم ما يثبت لاستعادة كلمة المرور.

÷ الخــ///ـــارة ÷ الحقيقية ÷

رغد الحياة

New member
إنضم
2 أكتوبر 2006
المشاركات
60
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
35
الإقامة
مملكة البحرين منطقة اسكان عالي
مهاجر على أهِبّة الرجوع إلى منفاه ..؛


في العلِّية , انفرد هناك حيثُ ذكرياته وأمه , كان قد احتفظ بكل الصور الفوتوغرافية التي التقطها منذ نعومة أظافره حتى عهد شبابه , إلى أن افترق عن جحرِ أمه ومأواه , ليغرس أحلام صباه الليلكية إلى جانب الزيزفون النضِر , ليزرع نفسه " غاردينيا " وسط بساتين النجاح .
أخذ صورةً من بين الصور المغلّفة بمناديل ورقية معطّرة بروائح القرنفل , كانت ذكرى عزيزة لايمكن نسيانها , وكيف ينسى الوعاء الذي احتواه وهو جنين ؟ أم كيف ينسى ذاك الوجه الملائكي حين يفتح ثغره ويرحب بقدومه بابتسامةٍ عذبة , لطالما انتعشت روحه على محياها ؟
أخذ يتمعّن في الصورة وهي بين دفة يديه يتأمّلها بمقلتين مثقّلتين بالدموع التي حفرت وجنتيه , وكأنه للتوّ فقط يتعرّف على وجه أمه !
تساقطت قطراتٌ من دمعه كادت أن تحترق في بؤبؤ عينيه , فتبلّلت الصورة , أخذها إلى صدره بالقرب من فؤاده , وهو يبكي ويئنّ بصوتٍ متهدّج : أمي الحبيبة ؛ مالي أراكِ صورةً جامدة لاتتحرك ؟ ولاتغمز لي بعينيها النجلاوين ؟ ولمَ هدأت تلك الأمواج الثائرة في بحر عينيك .. كانت حين تلمحني تثور وتهيج لتأخذني كاللقمة بين شفتيها , تغمرني بالقبلات وتظلّلني بشعرها الذهبي ؟ أين حضنكِ يدفئني من هذا البرد القارس ..؟
وبينما هو كذلك , دخلت عليه طفلته الوحيدة , وكانت تُزيِّن رقبتها الرشيقة بعقدٍ فريد مصنوع من اللؤلؤ البحريني , كان هديةً من جدتها وقد أمرها والدها ألاّ تخلعه أبداً .
قالت الطفلة " رغد " : أبتي أ مازلت هنا ؟ يجب أن تسرع , الطائرة على وشك أن تصل ولم يبقَ من الوقت سوى نصف ساعة !
مسح دموعه كي لاتراه ابنته وهو يبكي , ثم أدار وجهه ناحيتها وقال : حسناً صغيرتي , اسبقيني أنتِ وسأتبعكِ في الحال . ضحكت رغد ضحكةً عابرة وهي تقول : لا , لن تستطيع الفرار مني , ستأتي معي ويدي مشبوكةٌ بيديك . مدّت له يدها ترجوه أن ينهض , قبّل يديها الصغيرتين , ثم نهض وغادرا العلِّية المظلمة .
في الطائرة , حيث كانت تخترق الغيوم البيض المتناثرة في السماء الزرقاء , جلس و ابنته يتأملان منظر الغيوم , سألته الصغيرة : لماذا يموت الإنسان ..؟ لماذا لانعيشُ أبداً ..؟
تنهّد قائلاً : تلك سُنّة الحياة وهذا حكم الله عزّ وجلّ . فقدتُ أمي وأنا في هذه البلدة النائية , بعيداً عن صدرها الدافئ .. لكنها كانت تستأصّل فؤادي من الداخل , وأنتِ أيضاً بنيتي الغالية ؛ فقدتِ أمكِ وهي زوجتي الغالية , كم كان بودّي أن أعود لوطني , لأرى وجه أمي , لأرتمي في حضنها , وأعرّفها على أمكِ , وتتعرّفي عليها أنتِ أيضاً , ولكن تلك مشيئة الله . طأطأ رأسه هنيهة , ثم أردف يقول : بنيتُ مستقبلاً باهراً في بلدةٍ لا تعني لي أي شيء , حققتُ نجاحاً رائعاً في أرضٍ لا أنتمي إليها , ولا أجدُ فيها أرجوحة من أراجيح طفولتي أو حتى منديلاً كمناديل أمي القرنفلية .
الآن ؛ وبعد سنينٍ سرقت منه أمه , ولم تمنحه سوى الشقاء والهموم الثقال , أخذ يطلُّ من خلف نافذة الطائرة وهو يقول : هاقد انتهت هجرتي وسأعود لوطني , ولكن أي حياة سأعيش في بلدةٍ خالية حتى من أمي ..!!؟

رملة عبد الجليل عاشور كاظم
19 فبراير 2006

حصة اللغة العربية 4 علم 1
" تعبير "
أ.أ ميرة الدخيل
9.5 / 10

جريدة الوقت ..؛
 
عودة
أعلى