• أعضاء ملتقى الشعراء الذين لا يمكنهم تسجيل الدخول او لا يمكنهم تذكر كلمة المرور الخاصة بهم يمكنهم التواصل معنا من خلال خاصية اتصل بنا الموجودة في أسفل الملتقى، وتقديم ما يثبت لاستعادة كلمة المرور.

الصوم طريق الى العالم المطلق، وهجرة من دنيا الطاغوت

أشلاء روح

مشرفة الملتقى الطلابي
طاقم الإدارة
إنضم
9 يوليو 2006
المشاركات
3,831
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
العمر
124
الإقامة
بين الحلم واليقظة
الصوم طريق الى العالم المطلق، وهجرة من دنيا الطاغوت


بدأنا موسم الصوم، وتبادلنا التحيات والتبريكات، وشرع كل منا في برنامجه الرمضاني الذي يختلف قليلا او كثيرا عما هو ديدننا في حياتنا المعتادة. وثمة تساؤلات مشروعة يجب ان نطرحها على انفسنا: هل الصوم عبادة مجردة باتجاه واحد (من المسلم باتجاه ربه) ام انها ذات رسالة حياتية ولها ابعادها الزمانية والمكانية؟ أهي نظام صحي فحسب نمارسه لنتفادى الامراض؟ ام انها عبادة صوفية محصورة بالمسجد او الزاوية؟ رسالة رمضان يجب ان تحتوي كل هذه الجوانب وتضيف عليها. والرسالة المرتبطة بهذا الشهر يجب ان تتضح لنا، فنتحرك وفق معطياتها ونأمل في تحقيق ما نعتقده من اهداف لها. فالصوم تزكية للبدن والنفس معا، فيكون نظام الاكل منسجما مع هدف تزكية البدن، وتحريره من الامراض التي تنجم عن التخمة والافراط في الاكل والشرب والملذات. وهو تزكية للنقس، وربما هو الأهم. مطلوب من هذه النفس ان تتهيأ لكي تعيش بعد رحيل صاحبها من هذه الدنيا في عالم مختلف عن العالم الذي نعيشه. انه عالم تنعدم فيه سمات الحياة الدنيا التي يقتصر وعي اهلها على مدركات الحس. فهي مرتبطة بجسد له أبعاده الهندسية، من طول وعرض وعمق ووزن، ولذلك جاء نظام الإحداثيات الهندسي ليضع وصفا بشريا للمكان. واذا أضيف عامل الزمن الى هذه الكتلة ذات الأبعاد الأربعة، اصبح بالامكان وصف حالتها من حيث السكون والحركة. ولكي يعيش الانسان في هذه الدنيا أصبح يبذل طاقته للحفاظ على هذا الجسد، بالكد والعمل والأكل والتطبيب وسائر مستلزمات الحياة. وجاء الدين ليشعر الانسان بان هناك عالما آخر لا مكان فيه للمكان والزمان، فعليه ان يعيد صياغة حياته ليستطيع استيعاب مستلزمات العيش في ذلك العالم.

الصوم يوفر للمؤمن فرصة سنوية لتدريب النفس على العيش خارج أطر الزمان والمكان، لترتبط بالعالم المطلق، وهو عالم له معالمه وأحداثياته التي تتجاوز ما نعرفه من أبعاد افترضها العقل البشري ليستطيع التعاطي مع العالم الطبيعي من حوله. فالذين لا يؤمنون بالغيب لا يستطيعون استيعاب البعد السادس المرتبط بالغيب، والذي يتعاطى مع النفس التي تحتاج الى ترويض بشكل متواصل، وكما يقول الامام علي عليه السلام: "هي نفسي أروضها بالتقوى". ترويض النفس، او تزكيتها، أحد الاساليب التي تهدف لفصلها عن عالم المادة المحكوم بالزمان والمكان، وتربطها بالمطلق، وهو الله. المطلق غير محدود بزمان او مكان، بل هو ربهما ومسيرهما. وقد أراد من الانسان ان يطيعه، ليكون مثله، فيصبح أرقى من ان تشده المادة الى الأرض: يا أيها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم الى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة الا قليل". غاية الانسان العادي الذي لا يؤمن بالغيب ولا يرى وراء العالم المادي المحكوم بقوانين الزمان والمكان، العالم المطلق المحكوم بالقوانين الالهية المطلقة، ان يرى في ما توفره الدينا من متاع وسعة في المال والجاه، ذروة السعادة ومنتهى الغاية من الخلق. هذه ثقافة ما بعد الحداثة التي لا تعطي لغير المادة دورا، وتسعى لجعل عقل الانسان ورغباته ونمط تفكيره اساسا لتحديد مساره. فليس هناك عالم وراء هذا العالم، ولا مصدرا للتشريع غير ما يصل اليه العقل البشري. هذه الثقافة تنظر الى الانسان منفصلا عن محيطه الاجتماعي من ناحية وعن عالمه الطبيعي من جهة اخرى. ووفقا لهذه الثقافة المفرطة في الليبرالية، فان الانسان هو مصدر التشريع لنفسه، وهذا ينطوي على فهم يفصل الانسان وقوانينه عن القانون الطبيعي الذي يحكم الكون كله.

الصوم يهدف، في ما يهدف اليه، لتزكية النفس، اي فصلها عن العالم المادي الى العالم المطلق. فالامتناع عن الاكل والشرب يوفر تجربة للنفس تجعلها قادرة على التعالي على مستلزمات الجسد، وقادرة على الاستماع الى أوامر الغيب ونواهيه. والكف عن المحارم، وصوم الجوارح، كل ذلك من اساليب التزكية التي تهدف لفصل الانسان عن عالمه الدنيوي الذي تعشعش فيه القيم غير النبيلة، والذي يكون الشيطان فيه شريكا في التأثير على الانسان. قوانين الاسلام تعتمد مبدأ "التزكية" كأساس لانتظام الامر في هذا العالم. فالحق الشر(من زكاة وخمس وصدقة) تزكي المال، والمرض يزكي البدن، والصوم يزكي النفس. انها تجربة لا تتكرر، تهدف لاعداد النفس البشرية لعالم أوسع مدى وأكثر نقاء، وأسمى حياة. يستوحى ذلك من مفاهيم القرآن الكريم، وتوفر خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، التي يستقبل بها الشهر الكريم، تفصيلا لبعض الحقائق المرتبطة برمضان، حيث الشياطين المقيدة التي تحرم من حرية الحركة والتأثير على الانسان، وحيث يتحول نوم الصائم فيه الى عبادة. انها عبادة لان روح الصائم المستكمل لشرائط الصوم تنفصل عن هذا العالم المادي وتتحرك في الأفق الالهي الواسع الذي لا يخضع لقيم الحياة الدنيا المادية، انه عالم الكمال المطلق الذي وعد الله الصائمين به وكل من ارتضى فكرة "العروج" الى الله روحا وقلبا، وابتعد بقيمه ومثله ومواقفه عن كل ما يشد الى هذه الدنيا. فمن أشد الفتن التي يبتلى بها الانسان الارتباط بهذه الارض وما يعنيه ذلك من حب للمال والجاه. وقد يبدو هذا الحب واضحا لدى غير المؤمنين، ولكن الصف الايماني لا يخلو منه. فعندما يستطيع طاغية ان يستميل مؤمنا الى جانبه او يشتري صمته في مقابل المال والمنصب، فذلك يعني ان النفس لم تستطع التحليق في عالم الله الواسع، وان اغراءات الدنيا قد اجتذبتها. هذا الجذب قد لا يحدث في اطار فاقع، ولكن في أطر من مقولات "الاصلاح" و "تقديم خدمات للمؤمنين" و "الدفاع عن حوائجهم". من يطلق هذه المقولات خصوصا في هذا الشهر الكريم، يعلم قبل غيره انها غير دقيقة، فلا يطاع الله من حيث يعصى، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وان التعايش مع الظلم، بدون انكاره ولو بالقلب، اي المقاطعة له ولقيمه ونظمه، لا ينطبق ومفهوم الحرية التي تجسدها العبادة الحقة لله سبحانه.

ان صوم رمضان "هدي من الله" للمؤمنين، يستحق عليه الشكر والثناء "ولتكبروا الله على ما هداكم". الصوم هنا ليس الامتناع عن الاكل والشرب، بل تحقيق الشخصية الاسلامية الكاملة خلال ايام رمضان ولياليه، والانسلاخ عن تراب الارض قلبا، بحثا عن وصال لا ينقطع مع الله. وهذا يقتضى العبادة الخالصة التي يتطرق اليها دعاء أبي حمزة الثمالي، الذي يحتوي اعترافات الصادق بايمانه في حضرة ربه، ومن هذه الاعتراقات: "او لعلك رأيتني آلف مجالس البطالبين، فبيني وبينهم خليتني". فما أبعد تلك المجالس عن الله، وما أهبط ما يدور فيها من لغو لا يأتي بخير. فمن يقرأ هذا الدعاء، او يتفاعل مع المناجاة الشعرية المنسوبة للامام علي عليه السلام، وهو الصادق القول، يجد نفسه محلقا في عالم الملكوت الاعلى، فلا يشده الى الارض شيء، لا يغريه عطاء من سلطان طاغية، ولا تجتذبه مجالس اللغو، ولا تبعده عن خط الله مقولات المثبطين. انه صائم ليس عن الاكل والشرب فحسب، بل عن كل ما يبعده عن الحق المطلق. يعيش خميص الحشا، فيتذكر أبطال الاسلام الاوائل، فيستلهم منهم موقفه. يتمنى احدنا ان يكون كأبي ذر الذي كان أكثر ما يقلق زوجته عند وفاته عدم توفر كفن له، حتى اخبرها بان الله سوف يسوق من يوفر ذلك الكفن، فكان ذلك. انه رجل الرسالة الذي لا يخاف في الله لومة لائم، رفض عطايا عثمان، ومكره وحيله، حتى اقصاه. قال له الامام علي عليه السلام وهو يودعه" يا با ذر إنّك غضبت للّه وإنّ القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى و نفوك إلى الفلا و اللّه لو كانت السماوات و الأرض على عبد رتقا ثمّ اتقى اللّه لجعل له منها مخرجا ، يا با ذر لا يونسنّك إلاّ الحقّ و لا يوحشنّك إلاّ الباطل". الصوم والحج والصلاة وسائر العبادات تهدف جميعا الى تحرير الانسان من الارتهان لغير الله، حتى يخرج الواحد منهم ونفسه زاكية، وروحه كبيرة بكبر العبادة، وبطنه قد طهره الصوم عن المحرمات، وايمانه لم تشبه شائبة لانه رفض شياطين الانس والجن، ورفض الظلم والظالمين، وعاش مع المستضعفين في سرائهم وضرائهم: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا".

اللهم اجعل صومنا خالصا لك دون غيرك، وحبب الينا لقاءك، وزهدنا في هذه الدنيا وما عند الاشرار من سلطان، وأبعدنا عن قصورهم ومجالسهم التي هي مرتع للشيطان، وتقبل صومنا وصلاتنا وقيامنا، يا أرحم الراحمين.
 
رد: الصوم طريق الى العالم المطلق، وهجرة من دنيا الطاغوت

[frame="2 80"]تقبّل الله منا ومنكم أحبتي

تشكراتي القلية

ع الجهود المبذولة

تحياتي القرنفلية[/frame]
 
رد: الصوم طريق الى العالم المطلق، وهجرة من دنيا الطاغوت

العفو ..
اشكركم على المرور
 
عودة
أعلى