مشاركة: اللي عنده.. يساعدني بليييز
اتمنى يفيدج
هو علي بن العباس بن جريج . أبو الحسن. من أصل رومي (يوناني) . أسلم جده (جريج) على يد عبيد الله بن عيسى بن جعفر بن الخليفة المنصور العباسي. أمه فارسية تدعى (حسنة بنت عبد الله السجزي) (نسبة إلى سجستان) . كان من كتاب الدواوين, ولكن غلب عليه الشعر فلم يعرف إلا به.
يقول ابن خلكان إنه يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة, ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقى فيه بقية. يعتمد فن ابن الرومي في المرتبة الأولى على العيان والمشاهدة, فهو يلمح بالنظر الحاد النقائص والعيوب الجسمانية على وجه الخصوص عند خصومه فيصوغها في هجاء مرير لاذع وبهذه النظرة اللماحة نفسها يصور البهجة والحياة السعيدة. على أن تصويره ينبع من أحاسيس سامية, غاية في الرقة والدقة, يشهد على ذلك رثاؤه لابنه محمد, وهو يعتبر من روائع الشعر العربي.
كان كثير الطيرة والتشاؤم, مر الهجاء, ولم ينج من هجائه الكبراء. فقد هجا الخليفة المعتز والقاسم بن عبيد الله بن وهب وزير الخليفة المعتضد بالله وأبا الصقر إسماعيل بن بلبل وزير الخليفة المعتمد على الله وغيره. والهجاء عنده قصاص لتنقص حقه عند مهجوه. احتفظ ابن الرومي بروميته, فكانت أصل فنه الذي اختلف فيه عن غيره من شعراء عصره, وقد تميزت شخصيته بمجموعة من المتناقضات الغريبة, فكان غريب الأطوار, فتراه يمدح إنسانا ثم لا يلبث أن يذمه. ولعل فقدانه أبناءه الثلاثة في حداثتهم, وفقد زوجته وأخاه الأكبر, كان من أسباب اضطراب نفسه وتناقض طبيعته وكثرة تشاؤمه وتطيره.
اتخذ من مديحه وهجائه وسيلة للتكسب والعيش, شأنه في ذلك شأن كثير من الشعراء, وقد قطع عنه الهجاء كريم العطاء, فلم يفز بما كان يأمله من منزلة رفيعة وجاه عريض, فسخط على الحساد, ونقم على أبناء العصر, وطفح شعره بالمرارة والألم. توفي مسموما بأمر القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد بالله لأنه أكثر من هجائه وأفحش. له ديوان شعر. توفي في بغداد عن 62 عاما. ونحن نورد فيما يلي منتخبات من شعره. قال يفتخر بأصله الرومي:
وإذا مــا حــكمت والـروم قـومي
فــي كــلام معـرب كـنت عـدلا
ونراه يفتخر بروميته في تورية لطيفة فيقول:
وروميــة يومــا دعتنـي لوصلهـا
ولـم أك مـن وصـل الغواني بمحروم
فقـالت: فـدتك النفس مـا الأصل إنني
أروم وصـالا منـك قلـت لهـا رومي
ومن صور هجائه الرائعة وصفه لبخيل يدعى عيسى:
يقـــتر عيســى عــلى نفســه
وليس ببـــــاق ولا خـــــالد
ولــــو يســــتطيع لتقتـــيره
تنفس مــــن منخـــر واحـــد
ويقول في هجاء طبيب:
أعمــى وأفنــى ذا الطبيـب بطبـه
وبكحلـــه العميــان والبصــراء
فــإذا رأيــت رأيـت مـن عميانـه
أممـــا عـــلى أمواتــه قــراء
ويقول في وصف أحدب:
قصــرت أخادعــه وطـال قذالـه
فكأنـــه مـــتربص أن يصفعــا
وكأنمــا صفعــت قفــاه مــرة
فـــأحس ثانيــة لهــا فتجمعــا
وقد بلغ ابن الرومي في وصف الطبيعة غاية الجودة, من ذلك وصفه لعنب يعرف باسم (الرازقي)
ورازقـــي مخــطف الخــصور
كأنــــه مخــــازن البلـــور
قــد ضمنـت مسـكا إلـى الشـطور
وفـي الأعـالي منـه ماء ورد جوري
لــم يبــق منــه وهـج الحـرور
إلا ضيــاء فــي ظــروف النـور
لــو أنــه يبقــى عـلى الدهـور
قـــرط آذان الحســـان الحــور
ونراه يبلغ القمة في التصوير, في تصويره لصانع الرقاق وهو يقوم بعمله:
مـا أنس لا أنس خبـازا مـررت بـه
يدحـو الرقـاق كـلمح العيـن بالبصر
مــا بيـن رؤيتهـا فـي كفـه كـرة
وبيــن رؤيتهــا قــوراء كـالقمر
إلا بمقــدار مــا تنــداح دائــرة
فـي صفحـة المـاء يرمى فيه بالحجر
ومن روائع قصائده عتابه لصديقه أبي القاسم الشطرنجي وقد رآه قد تحول عنه, وفي مطلعها يقول:
يــا أخــي, أيـن عهـد ذاك اللقـاء
أيــن مـا كـان بيننـا مـن صفـاء
أيــن مصـداق شـاهد كـان يحـكي
أنــه المخــلص الصحـيح الإخـاء
كشــفت منــك حــاجتي هنـوات
غطيــت برهــة بحســن اللقــاء
تـــركتني ولــم أكــن ســيء
الحــظ أسـيء الظنـون بالأصدقـاء
ثم يصف براعته في لعبة الشطرنج:
تقتــل الشــاه حــيث شـئت مـن
الرقعــة طبــا بالقتلــة النكــراء
غـير مـا نـاظر بعينيـك في الدست
ولا مقبـــل عـــلى النظـــراء
بـل تراهـا وأنـت مسـتدبر الظهـر
بقلـــب مصــور مــن ذكــاء
مــا رأينــا ســواك قرنـا يـولي
وهــو يــردي فــوارس الهيجـاء
والفــؤاد الـذكي للمطـرق المبصـر
عيـــن يــرى بهــا مــن وراء
ثم يعود إلى لومه لتقصيره في قضاء حاجته والإغضاء عن قديم صحبته فيقول:
يــا أبـا القاسـم الـذي ليس يخـفى
عنــه مكنــون خطــة عوجــاء
أتــرى كــل مــا ذكـرت جليـا
وســواه مــن غــامض الأنحـاء
ثــم يخــفى عليـك أنـي صـديق
ربمــا عــز مثلــه فـي الغـلاء
لا لعمــر الإلــه لكــن تعاشـيت
بصـــيرا فـــي ليلــة قمــراء
بـل تعـاميت غـير أعمـى عن الحق
نهـــارا فــي ضحــوة غــراء
ظالمـا لـي مـع الزمـان الـذي ابتز
حــــقوق الكـــرام للؤمـــاء
ثقلــت حــاجتي لــديك فـأضحت
وهــي عـبء مـن فـادح الأعبـاء
فتــوانيت والتـواني وطـيء الظهـر
لكنــــه ذميــــم الوطــــاء
كــنت ممـن يـرى التشـيع ولكـنك
ملــت فـي حـاجتي إلـى الإرجـاء
ويستمر في تقريع صاحبه ولومه فيقول:
ظلمــت حـاجتي فـلاذت بحـقويك
فأســـلمتها لكـــف القضـــاء
وقضــاء الإلــه أحــوط للنــاس
مــــن الأمهــــات والآبـــاء
غــير أن اليقيـن أضحـى مريضـا
مرضــا باطنــا شــديد الخفــاء
لـو يصـح اليقيـن مـا رغب الراغب
إلا إلــــى مليــــك الســـماء
وعســير بلــوغ هــاتيك جــدا
تلــك عليــا مــراتب الأنبيــاء
ولابن الرومي في الغزل والنسيب نفحات تصدر من قلب مشوق, عامر بالحب الصافي فمنه قوله:
أعانقهـــا والنفس بعــد مشــوقة
إليهــا وهــل بعـد العنـاق تـدان
وألثــم فاهـا كـي تـزول حـرارتي
فيشــتد مــا ألقــى مـن الهيمـان
ومـا كـان مقـدار الذي بي من الجوى
ليشــفيه مــا قــد تلثـم الشـفتان
كــأن فــؤادي ليس يشـفي غليلـه
سـوى أن يـرى الروحـين تمتزجـان
وكأنه يعذر الحسان في انصرافهن عنه فيقول:
شــغفت بــالخرد الحســان ومـا
يصلـــح وجــهي إلا لــذي ورع
كــي يعبــد اللـه فـي الفـلاة ولا
يشــهد فيهــا مســاجد الجــمع
ويشك شخص يدعى ميسرة بن حسان السمري بعقيدة ابن الرومي فيرد عليه بقوله:
يــا ابــن حسـان لا تشـكن فـي
دينـــي ولا تقتســـمك الظنــون
فهـو توحـيد ذي الجـلال وتصـديق
الــذي بلــغ الرســول الأميــن
ملـــة رشــدة أرانــي هداهــا
بصـــر ثــاقب وعقــل متيــن
فلهـــا معقــد لجــيدي وثيــق
وقــرار مــن ذات نفســي مكـين
لسـت بالمسـتعيض منهـا ولا الراغب
عنهـــا إنـــي بهــا لضنيــن
إنمــا يســتمال عـن سـمت رشـد
مـــن تــولاه رأيــك المــأفون
فـاعد عنـي وانظـر لنفسـك دونـي
ليس يجــزي ســواي عمـا يـدين
ولـيزعك المشـيب عن بعض ما تفعل
أو وجـــهك المشـــوه المشــين
ويطبق ابن الرومي عينيه على عالم الفناء ليدخل في عالم الأبدية, وقد خلف وراءه شعرا عذبا يستجيب فيه لكل فن من فنون القول, ويعبر بصدق وأمانة عن أحاسيس نفس صافية, ويصف عالما لم ينل فيه ما يستحق من تقدير وإكبار, وقد قاسى في دنياه ألم الحرمان وانتقاص الحقوق وحسد الحساد وغدر الأصدقاء, وعبر عن ذلك في كثير من شعره منه قوله:
ومـن يلـق مـا لاقيت في كل محنتي
مـن الشـوك يزهد في الثمار الأطايب
أذاقتنــي الأسـفار مـا كـره الغنـى
إلــي وأغــراني بـرفض المطـالب
فـأصبحت فـي الإثـراء أزهـد زاهد
وإن كـنت فـي الإثـراء أرغب راغب
وغادر هذه الدنيا مسموما من غادر ولم يتم الثانية والستين من عمره, فانقطع بموته شدو طائر غرد, طالما أطرب المشوق وأبكى الحزين وشد الأسماع لوصف ساخر, وجذب الأبصار إلى صورة من صور الطبيعة بكل ألوانها الزاهية, كأنها ريشة رسام مبدع.