[align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام, ونشـهد: أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله(ص), أرسـله بدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشـركون، الصلاة والسـلام عليه وآله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسـلين وعباد الله الصالحين وملائكته المقربين, وعلى جميع الشـهداء الصديقين.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وجليل خطابه: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" إن فريضة الصوم التي فرضها الله على المؤمنين به من جميع الأمم، لهي من أهم الفرائض والعبادات، التي تمكن المؤمن من ضبط نفسه، وترويضها على ترك المحرم من شهوات النفس. إنها من أهم أدوات الجهاد الأكبر، لما فيها من الصبر ومجادلة الغرائز, إذ هي من أشق التكاليف التي يُغالب الصائم أهواء نفسه, ومجاهدتها عما تميل إليه، وضبطها طبق أوامر الله عـزوجل من ممارسة عادات لا تقيـد فيها ولا نظام. فكان التكليف بفريضة الصوم من العبادات القديمة التي كتبها الله وافترضها على الأمم في الرسالات والشرائع والديانات السابقة, وأنها من ضروريات الدين الواجبة, فهو أحد الأركان التي بني الإسلام عليها, فقد ورد في الحديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله(ص) وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصيام شهر رمضان, وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". والحديث المتواتر:"الصوم لي وأنا أجزي به". إذ كل عمل يقوم به الإنسان من الأعمال الحسنة، فله حسـن الثناء وجميل الأحدوثة بها عند الناس، ولو كانت من العبادات التي أخلص لله فيها، لأن ذلك مما يدركه العقلاء, إلا الصوم ليس فيه آي ظاهرة إلا الكف عن الملاذ, وترك الشهوات, فلا يعلم من الصائم إخلاصه وخشية لله إلا الله, فيجزيه أحسن الجزاء, ففي الحديث عن النبي(ص): قال الله عزَ وجل:" كل أعمال بني آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصبر فإنه لي وأنا أجزي به. فثواب الصبر مخزون في علم الله عزَ وجل والصبر الصوم." كما ورد عن أبي عبد الله الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى (استعينوا بالصبر والصلاة) قال(ع):"الصوم الصبر" وما ورد عن الإمام أبي الحسن الرضا(ع) في قول الله تعالى (واسـتعـينوا بالصبر والصلاة ) قال (ع):"الصبر الصوم،إذا نزلت بالرجل الشـدة أو النازلة فليصم، الله يقول اسـتعـينوا بالصبر والصلاة.) والصبر الصوم" لما لهـذه الفريضة مـن ميزة فريـدة عـن بقية العبادات وما لها مـن الأهمية العظيمة في حياة الأمـة مـن الاعتصام وعـدم الانهزام أمام النوازل والمصائب، والأجر العظيم في الآخرة ،وما وعـد الله الصائمين مـن الثواب الـذي لا يُحدُ ولا يُقدًر.إن الحسـنة قُدِرت بعشـر أمثالها إلا الصوم بِيد الله ومـن مخزون عـلمه سـبحانه وتعالى واختصه بنفسـه. ومـن هنا نرى ما تشـير إليه الآية المباركة بوضوح ،إن الحكمة مـن وجوب الصوم، وما يمارسـه الصائم وهو يجاهـد نفسـه ليصل إلى تلك المرتبة العالية، ليكون مـن المتقين ( لعلكم تتقون)، فهو أحد السـبل الأسـاسـية التي ترفعه إلى تلك المنزلة العظيمة (التقوى) وما أعَـد الله للمتقين مـن الدرجات الرفيعة التي وعـدهم بها والـذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبؤ هم مـن الجنة غرفا تجري مـن تحتها الأنهار خالدين فيها،نعم أجر العاملين). فالإنسـان الـذي يصوم عبادة والتزاماً بما أمر الله، ومبتعـدا عـن مواقع نهيه، بعيدا عـن أعـين الناس لا يعرفون منه ما لا يمكنهم الإطلاع عـليه، إلا من الصائم نفسه. ولذا نرى في الحديث عـن رسول الله (ص): "للصائم فرحتان: فرحة عـند إفطاره، وفرحة عـند لقاء ربه." فرحة الصائم ببلوغ العبادة منه عـند الإفطار، بالـذي سـطره في سـجل الصائمين والعباد المطيعين. والفرحة الكبرى بما يناله مـن تلك النعم العظيمة، والعطاء الكريم مـن المولى تبارك وتعالى. فعن لسـان النبيٍ(ص) يدعو الناس للضيافة على موائد الرحمن، التي عليها ما تلذ الأعين وتشـتهي الأنفس، وما لا رأت عين ولاسمعت أذن، وتنشـد إليها الرحال، بالعمل الدؤوب، والذكر المتواصل، والاستغفار الدائم، بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن. في استقباله لشهر رمضان المبارك في آخر جمعة من شهر شـعبان وما لهذا الشهر من شأن عظيم عند الله تبارك وتعالى: (هو شـهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه مـن أهل كرامة الله، أنفاسـكم فيه تسـبيح، ونومكم فيه عبادة ،وعملكم فيه مقبول،ودعاؤكم . فسـلوا الله ربكم، بنيات صادقة، وقلوب طاهرة،أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشـقيَ مـن حرم غفران الله في هـذا الشـر العظيم...) إنه تأكيد للصائم لأن يدخل شـهر الصيام وقلبه طاهرٌ، معمورٌ بالإيمان للاسـتزادة مـن فيوض رحمة الله المتواصلة، وعطائه الدائم، مما جعله سبحانه وتعالى للصائمين الفائزين، الذين نالوا الفرحة بالإفطار وعند اللقاء، ونالوا الجائزة الكبرى التي يحرصون ويدأبون بالمحافظة عليها، لأنه الفوز بالجنة والعتق مـن النار. "إن للجنة باباً يدعى الريان لا يدخله إلا الصائمون. وإنما سـُميَ الريان لأن الصائم يُجهده العطش أكثر مما يُجهده الجوع، فإذا دخل الصائم هذا الباب، تلقاه الذي لا يعطش بعده أبدا). الصوم وحقيقته العبا دية روايات كثيرة وأحاديث جمة وردت لتعطي الصوم حقيقته العبادية، كما عـن أمير المؤمنين(ع) في أحد خطبه: (الصيام اجتناب المحارم، كما يمتنع الصائم مـن الطعام والشـراب). وما ورد عن الصادق(ع) عن آبائه (ع)عن الزهراء فاطمة (ع) أنها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسـانه وسـمعه مبصره وجوارحه). حين يفهم الصائم، ويعي ما يريده الله منه، ويرى الواجب كما يراه، ويجعل حالة العبادة في كل واقعه الذي يعيشـه في كل كيانه، بالقول والعمل,بأخلاقه وسـلوكه وأحاسـيسـه,ليكون على الطاعة والرضوان.إنها توظيف لكل الطاقات والجوارح ليحقق منها وبها حقيقة الصوم. وهكذا يكون المكلف قد صام الصوم الصحيح,الذي يؤدي إلى الصوم المقبول,وبمعرفة أمور لازمة المعرفة,حتى يكون المكلف قد أدى ما عليه,حسب الحدود المفروضة لأداء هذه الطاعة أو غيرها من العبادات المتوقفة عليها, بمعرفة أحكامها وشروطها الشرعية, فيتمكن من براءة ذمته, وانه دائما قد أدى ما عليه من التكليف الشرعي, وخرج من عهدة المسؤولية التي ألزمه بها الله سبحانه وتعالى. إنها الشروط والمسببات التي تؤدي بالصائم لأن يتمثل السلوك الإنساني المتكامل ويعيش مع الأهداف السامية والغايات النبيلة لعبادة الصوم. عن الصادق(ع):إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فإذا صمتم فافظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا ابصاركم عما حرم الله، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تخالفوا( كذباً ولا صدقاً) ولاتسابوا ولا تشاتموا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تضاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت ولصبر والصدق ومجانبة اهل الشر،واجتنبوا قول الزور والكذب والفري والخصومة وظن السوء والغينة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم (والفرج بظهور القائم من آل محمد(ص) منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبيد الخُيًف من مولاها خائفين راجين... وعن رسول الله (ص)أنه سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة,فدعا رسول الله (ص) بطعام وقال لها: كلي, فقالت إني صائمة يا رسول الله فقال (صً): كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك. إن الصوم ليس من الطعام والشراب, وإنما جعل الله ذلك حجابا عن سوهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم, ما أقل الصوَام وما أكثر الجوًاع". بهذه المعاني لعبادة الصوم, دعوة لصنع هذا المخلوق الإنسـي لينعم بالحكمة والهـدى, وليعلم أن الديـن ليس مجرد أحكام جوفاء يريدها الله من الإنسـان لمجرد الاستعباد, بل ليعلم علم اليقين انه يريد منه أن يكون عاملا لإنسانية هذا الإنسان, وخلقه الكريم,ومسلكه القويم, كيفها بتحرك, يتحرك من خلال العبادة, وكيف يتوجه, توجهه العبادة, ويطبق أحكامها, ويعيش أهدافها, في أدق الأمور وأصغرها كما في غيرها من العبادات. إنه يعلم أن التشريع ما جاء إلا لسعادته وصلاحه وخيره, كما في الآخرة كذلك في دار الدنيا هذه, نراه في قوله تعالى: (وقِيل للذين اتقوَا ربهم ،ماذا أنزل ربكم، قالوا خيرا). وهذا الإمام علي ابن الحسـين السجاد(ع) يعلمنا ذلك بتوجهه إلى ربه عند دخول شهر الصيام بالدعاء: "اللهم صل على محمد والِه، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ بما حـظرت فيه، وأعـنَا على صيامه بكف الجوارح عن معصيتك، واسـتعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسـماعنا إلى لغوٍ،ولا نسـرع بأبصارنا إلى لهوٍ، وحتى لا نبسـط أيدينا إلى محظور، ولا نخطوا بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعِي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسـنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يُدنِيَ من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يَقِي من عقابك، ثم خَلُصَ ذلك كله من رئاء المرائين، وسـمعة المسـمعين، لا نشـرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سـواك..." من هنا يتبين أن الصوم ليس مظهراً من مظاهر الانقياد والطاعة فحسب، بل يعمل على تحرير الإنسان من عبودية الأهواء والشهوات، وانهزامه أمامها وأسـرها لـه، ويجعلـه يرســم لنفس الصائـم ما يجعـله يعـيش ويَعـِي مصلحتـه الإنسـانية، بواقعية وصدق، بل يرى حقيقة العبادة وما يسـتفيـده بالتدبر والتأمل والتفكر بعناية. فيبني بذلـك الكيـان المعمور بالإيمان، والمشـيًد على ركائـز العقيدة الحقـة، واليقين الصادق، بالباطن كما في الظاهر. وما ورد عن الصادق(ع) يؤكد على هذه الحقيقة في قوله: ولتكن أنت ايها الصائم قد طهر قلبك من العيوب، وتقدست سريرتك من الخبث، ونظف جسمك من القاذورات، وتبرأت إلى الله ممن عداه، وأخلصت الولاية له، وصمت مما نهاك الله عنه، وخشيت الله حق خشيته في سرك وعلانيتك، ووهبت نفسك لله في أيام صومك، وفرًغت قلبك له، ونصبت نفسك فيما أمرك ودعاك إليه، فإذا فعلت ذلك كله، فأنت صائم لله حقيقة صومه، صانع له ما أمرك. إنه حديث جلي واضح المعاني،لا يحتاج ألى بيان أو تفسير، فالصائم وهو على تلك الحال من تطبيق التعليمات، والسير على هَدْيِ هذه التوجيهات الرسالية، يكون حقق الغرض المرجو منه في هذه الحياة.
فضيلة الشيخ سعدون حمية / لبنان / المجلس الشيعي الاعلى[/align]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, الحمد لله الذي هدانا لدين الإسلام, ونشـهد: أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله(ص), أرسـله بدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشـركون، الصلاة والسـلام عليه وآله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسـلين وعباد الله الصالحين وملائكته المقربين, وعلى جميع الشـهداء الصديقين.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه وجليل خطابه: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" إن فريضة الصوم التي فرضها الله على المؤمنين به من جميع الأمم، لهي من أهم الفرائض والعبادات، التي تمكن المؤمن من ضبط نفسه، وترويضها على ترك المحرم من شهوات النفس. إنها من أهم أدوات الجهاد الأكبر، لما فيها من الصبر ومجادلة الغرائز, إذ هي من أشق التكاليف التي يُغالب الصائم أهواء نفسه, ومجاهدتها عما تميل إليه، وضبطها طبق أوامر الله عـزوجل من ممارسة عادات لا تقيـد فيها ولا نظام. فكان التكليف بفريضة الصوم من العبادات القديمة التي كتبها الله وافترضها على الأمم في الرسالات والشرائع والديانات السابقة, وأنها من ضروريات الدين الواجبة, فهو أحد الأركان التي بني الإسلام عليها, فقد ورد في الحديث: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله(ص) وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصيام شهر رمضان, وحج البيت من استطاع إليه سبيلا". والحديث المتواتر:"الصوم لي وأنا أجزي به". إذ كل عمل يقوم به الإنسان من الأعمال الحسنة، فله حسـن الثناء وجميل الأحدوثة بها عند الناس، ولو كانت من العبادات التي أخلص لله فيها، لأن ذلك مما يدركه العقلاء, إلا الصوم ليس فيه آي ظاهرة إلا الكف عن الملاذ, وترك الشهوات, فلا يعلم من الصائم إخلاصه وخشية لله إلا الله, فيجزيه أحسن الجزاء, ففي الحديث عن النبي(ص): قال الله عزَ وجل:" كل أعمال بني آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصبر فإنه لي وأنا أجزي به. فثواب الصبر مخزون في علم الله عزَ وجل والصبر الصوم." كما ورد عن أبي عبد الله الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى (استعينوا بالصبر والصلاة) قال(ع):"الصوم الصبر" وما ورد عن الإمام أبي الحسن الرضا(ع) في قول الله تعالى (واسـتعـينوا بالصبر والصلاة ) قال (ع):"الصبر الصوم،إذا نزلت بالرجل الشـدة أو النازلة فليصم، الله يقول اسـتعـينوا بالصبر والصلاة.) والصبر الصوم" لما لهـذه الفريضة مـن ميزة فريـدة عـن بقية العبادات وما لها مـن الأهمية العظيمة في حياة الأمـة مـن الاعتصام وعـدم الانهزام أمام النوازل والمصائب، والأجر العظيم في الآخرة ،وما وعـد الله الصائمين مـن الثواب الـذي لا يُحدُ ولا يُقدًر.إن الحسـنة قُدِرت بعشـر أمثالها إلا الصوم بِيد الله ومـن مخزون عـلمه سـبحانه وتعالى واختصه بنفسـه. ومـن هنا نرى ما تشـير إليه الآية المباركة بوضوح ،إن الحكمة مـن وجوب الصوم، وما يمارسـه الصائم وهو يجاهـد نفسـه ليصل إلى تلك المرتبة العالية، ليكون مـن المتقين ( لعلكم تتقون)، فهو أحد السـبل الأسـاسـية التي ترفعه إلى تلك المنزلة العظيمة (التقوى) وما أعَـد الله للمتقين مـن الدرجات الرفيعة التي وعـدهم بها والـذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبؤ هم مـن الجنة غرفا تجري مـن تحتها الأنهار خالدين فيها،نعم أجر العاملين). فالإنسـان الـذي يصوم عبادة والتزاماً بما أمر الله، ومبتعـدا عـن مواقع نهيه، بعيدا عـن أعـين الناس لا يعرفون منه ما لا يمكنهم الإطلاع عـليه، إلا من الصائم نفسه. ولذا نرى في الحديث عـن رسول الله (ص): "للصائم فرحتان: فرحة عـند إفطاره، وفرحة عـند لقاء ربه." فرحة الصائم ببلوغ العبادة منه عـند الإفطار، بالـذي سـطره في سـجل الصائمين والعباد المطيعين. والفرحة الكبرى بما يناله مـن تلك النعم العظيمة، والعطاء الكريم مـن المولى تبارك وتعالى. فعن لسـان النبيٍ(ص) يدعو الناس للضيافة على موائد الرحمن، التي عليها ما تلذ الأعين وتشـتهي الأنفس، وما لا رأت عين ولاسمعت أذن، وتنشـد إليها الرحال، بالعمل الدؤوب، والذكر المتواصل، والاستغفار الدائم، بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن. في استقباله لشهر رمضان المبارك في آخر جمعة من شهر شـعبان وما لهذا الشهر من شأن عظيم عند الله تبارك وتعالى: (هو شـهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه مـن أهل كرامة الله، أنفاسـكم فيه تسـبيح، ونومكم فيه عبادة ،وعملكم فيه مقبول،ودعاؤكم . فسـلوا الله ربكم، بنيات صادقة، وقلوب طاهرة،أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشـقيَ مـن حرم غفران الله في هـذا الشـر العظيم...) إنه تأكيد للصائم لأن يدخل شـهر الصيام وقلبه طاهرٌ، معمورٌ بالإيمان للاسـتزادة مـن فيوض رحمة الله المتواصلة، وعطائه الدائم، مما جعله سبحانه وتعالى للصائمين الفائزين، الذين نالوا الفرحة بالإفطار وعند اللقاء، ونالوا الجائزة الكبرى التي يحرصون ويدأبون بالمحافظة عليها، لأنه الفوز بالجنة والعتق مـن النار. "إن للجنة باباً يدعى الريان لا يدخله إلا الصائمون. وإنما سـُميَ الريان لأن الصائم يُجهده العطش أكثر مما يُجهده الجوع، فإذا دخل الصائم هذا الباب، تلقاه الذي لا يعطش بعده أبدا). الصوم وحقيقته العبا دية روايات كثيرة وأحاديث جمة وردت لتعطي الصوم حقيقته العبادية، كما عـن أمير المؤمنين(ع) في أحد خطبه: (الصيام اجتناب المحارم، كما يمتنع الصائم مـن الطعام والشـراب). وما ورد عن الصادق(ع) عن آبائه (ع)عن الزهراء فاطمة (ع) أنها قالت: (ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسـانه وسـمعه مبصره وجوارحه). حين يفهم الصائم، ويعي ما يريده الله منه، ويرى الواجب كما يراه، ويجعل حالة العبادة في كل واقعه الذي يعيشـه في كل كيانه، بالقول والعمل,بأخلاقه وسـلوكه وأحاسـيسـه,ليكون على الطاعة والرضوان.إنها توظيف لكل الطاقات والجوارح ليحقق منها وبها حقيقة الصوم. وهكذا يكون المكلف قد صام الصوم الصحيح,الذي يؤدي إلى الصوم المقبول,وبمعرفة أمور لازمة المعرفة,حتى يكون المكلف قد أدى ما عليه,حسب الحدود المفروضة لأداء هذه الطاعة أو غيرها من العبادات المتوقفة عليها, بمعرفة أحكامها وشروطها الشرعية, فيتمكن من براءة ذمته, وانه دائما قد أدى ما عليه من التكليف الشرعي, وخرج من عهدة المسؤولية التي ألزمه بها الله سبحانه وتعالى. إنها الشروط والمسببات التي تؤدي بالصائم لأن يتمثل السلوك الإنساني المتكامل ويعيش مع الأهداف السامية والغايات النبيلة لعبادة الصوم. عن الصادق(ع):إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحدهما، فإذا صمتم فافظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا ابصاركم عما حرم الله، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تخالفوا( كذباً ولا صدقاً) ولاتسابوا ولا تشاتموا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تضاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت ولصبر والصدق ومجانبة اهل الشر،واجتنبوا قول الزور والكذب والفري والخصومة وظن السوء والغينة والنميمة، وكونوا مشرفين على الآخرة منتظرين لأيامكم (والفرج بظهور القائم من آل محمد(ص) منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله، وعليكم السكينة والوقار والخشوع والخضوع وذل العبيد الخُيًف من مولاها خائفين راجين... وعن رسول الله (ص)أنه سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة,فدعا رسول الله (ص) بطعام وقال لها: كلي, فقالت إني صائمة يا رسول الله فقال (صً): كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك. إن الصوم ليس من الطعام والشراب, وإنما جعل الله ذلك حجابا عن سوهما من الفواحش من الفعل والقول يفطر الصائم, ما أقل الصوَام وما أكثر الجوًاع". بهذه المعاني لعبادة الصوم, دعوة لصنع هذا المخلوق الإنسـي لينعم بالحكمة والهـدى, وليعلم أن الديـن ليس مجرد أحكام جوفاء يريدها الله من الإنسـان لمجرد الاستعباد, بل ليعلم علم اليقين انه يريد منه أن يكون عاملا لإنسانية هذا الإنسان, وخلقه الكريم,ومسلكه القويم, كيفها بتحرك, يتحرك من خلال العبادة, وكيف يتوجه, توجهه العبادة, ويطبق أحكامها, ويعيش أهدافها, في أدق الأمور وأصغرها كما في غيرها من العبادات. إنه يعلم أن التشريع ما جاء إلا لسعادته وصلاحه وخيره, كما في الآخرة كذلك في دار الدنيا هذه, نراه في قوله تعالى: (وقِيل للذين اتقوَا ربهم ،ماذا أنزل ربكم، قالوا خيرا). وهذا الإمام علي ابن الحسـين السجاد(ع) يعلمنا ذلك بتوجهه إلى ربه عند دخول شهر الصيام بالدعاء: "اللهم صل على محمد والِه، وألهمنا معرفة فضله، وإجلال حرمته، والتحفظ بما حـظرت فيه، وأعـنَا على صيامه بكف الجوارح عن معصيتك، واسـتعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسـماعنا إلى لغوٍ،ولا نسـرع بأبصارنا إلى لهوٍ، وحتى لا نبسـط أيدينا إلى محظور، ولا نخطوا بأقدامنا إلى محجور، وحتى لا تعِي بطوننا إلا ما أحللت، ولا تنطق ألسـنتنا إلا بما مثلت، ولا نتكلف إلا ما يُدنِيَ من ثوابك، ولا نتعاطى إلا الذي يَقِي من عقابك، ثم خَلُصَ ذلك كله من رئاء المرائين، وسـمعة المسـمعين، لا نشـرك فيه أحداً دونك، ولا نبتغي فيه مراداً سـواك..." من هنا يتبين أن الصوم ليس مظهراً من مظاهر الانقياد والطاعة فحسب، بل يعمل على تحرير الإنسان من عبودية الأهواء والشهوات، وانهزامه أمامها وأسـرها لـه، ويجعلـه يرســم لنفس الصائـم ما يجعـله يعـيش ويَعـِي مصلحتـه الإنسـانية، بواقعية وصدق، بل يرى حقيقة العبادة وما يسـتفيـده بالتدبر والتأمل والتفكر بعناية. فيبني بذلـك الكيـان المعمور بالإيمان، والمشـيًد على ركائـز العقيدة الحقـة، واليقين الصادق، بالباطن كما في الظاهر. وما ورد عن الصادق(ع) يؤكد على هذه الحقيقة في قوله: ولتكن أنت ايها الصائم قد طهر قلبك من العيوب، وتقدست سريرتك من الخبث، ونظف جسمك من القاذورات، وتبرأت إلى الله ممن عداه، وأخلصت الولاية له، وصمت مما نهاك الله عنه، وخشيت الله حق خشيته في سرك وعلانيتك، ووهبت نفسك لله في أيام صومك، وفرًغت قلبك له، ونصبت نفسك فيما أمرك ودعاك إليه، فإذا فعلت ذلك كله، فأنت صائم لله حقيقة صومه، صانع له ما أمرك. إنه حديث جلي واضح المعاني،لا يحتاج ألى بيان أو تفسير، فالصائم وهو على تلك الحال من تطبيق التعليمات، والسير على هَدْيِ هذه التوجيهات الرسالية، يكون حقق الغرض المرجو منه في هذه الحياة.
فضيلة الشيخ سعدون حمية / لبنان / المجلس الشيعي الاعلى[/align]