الشوق
New member
في ذكرى أربعينية الإمام الحسين ، انبرى الشيخ حسن الخويلدي أحد أبرز علماء مدينة صفوى «محافظة القطيف» شرق السعودية، لذكرحادثة لا يملك من يستمع لها إلا أن تتملكه الدهشة والاستغراب، تعمد سردها في جميع مجالسه الحسينية ذلك اليوم في مختلف مناطق القطيف، معتبراً اياها بمثابة «معجزة الهية»، مفادها أن طفلاً لعائلة صفوانية يدعى سجاد، في الثالثة من عمره، تعرض ذات يوم من أيام شهر صفر 1426هـ المصادف لشهر مارس 2005م لحادث سقوط من الطابق العلوي الثالث ليستقر أرضاً، وليقوم بعد فحوصات طبية عديدة في أكثر من مستشفى سليما معافى لم يصبه سوء، وليخبر الطفل والدته بعد ذلك أنه بخير ولم يحدث له اي مكروه فقد كانت هناك «والكلام للطفل» لحظة السقوط سيدة ترتدي الأخضر معصبة بعصابة سوداء تدعى «أم البنين» تلقفتني بلطف ومددتني على الأرض ثم ذهبت..
فما حقيقة هذا الحدث الذي تفاعل معه الكثيرون من أبناء المنطقة، فانتشر خبره عبر المجموعات الأخبارية انتشار النار في الهشيم، وحيث توافد الكثيرون على منزل عائلة سجاد لتهنئتهم بالسلامة، ورؤية هذا السجاد الذي حظي بهذه الكرامة.. كرامة انقاذه من مصير محقق لولا عناية الله وبركة السيدة الجليلة «أُم البنين» .
يأت هذا التحقيق الصحفي في هذه الحادثة التي قد تبدو للبعض غير مألوفة، بل مما يمكن أن يصنفها البعض بالنظر لاعتبارات مختلفة ضمن الخارق للعادة.. يأتي ثمرة جهود قامت بها «شبكة راصد الإخبارية» بغرض استقصاء الخبر من منابعه الأصلية، ونقل تسلسل الأحداث منذ البداية وفقاً لرواته الأصليين وأبطاله المباشرين، من خلال زيارة موقع الحدث في منزل العائلة، والالتقاء بجميع المعنيين من أفراد العائلة بدءً الطفل سجاد بطل القصة الأول ووالدته السيدة أم حسين، وانتهاءً بجده الحاج ابو محمد، مروراً بأول من شاهدا سجاد بعد حادثة السقوط مباشرة وهما اخوه الأكبر حسين وعمه حسن الذي حمله من مكان سقوطه، كما التقت الشبكة كذلك بالشيخ حسن الخويلدي الراوي الأول لهذه القصة على منبر الامام الحسين بغرض مناقشته حول الجانب الغيبي في هذه الحادثة المدهشة، مروراً بلقاء أحد الأطباء المعالجين للطفل، والرادود القطري صاحب القصيدة الشهيرة «آنا أم البنين الفاقدة أربع شباب..».
أهم ثلاثين ساعة في حياة سجاد:
يقطن الطفل سجاد علي عبد الكريم الخلف «3 سنوات» برفقة عائلته المكونة من والده الاستاذ علي عبد الكريم الخلف (31 سنة) الموظف في (شركة صودا) بمدينة الجبيل الصناعية، ووالدته السيدة تهاني آل قريش «أم حسين» (27 سنة) ربة منزل، وأخوه الأكبر حسين (7 سنوات) الطالب بالصف الأول الابتدائي بمدرسة علي بن أبي طالب بصفوى، يقطنون جميعا شقة بدت مرتبة الأثاث بالدور العلوي الثالث في منزل العائلة الكائن في حي الخياطية بمدينة صفوى «محافظة القطيف» تحت كنف والدهم الحاج عبد الكريم الخلف (59 سنة) متقاعد من شركة ارامكو، في المنزل المكون من مجموعة شقق سكنية، يشارك السكن عائلة «سجاد» ثلاثة من أعمامه الذين يقطنون الشقق الأخرى المجاورة له.
زرنا منزل العائلة ذي الباحة الأمامية المزينة برسومات أبطال الكارتون والتي تبدو ملعباً للاطفال، واستقبلنا الجد أبومحمد بحفاوة بالغة في ديوانيته متوسطة الحجم مقدماً أمامنا الشاي والقهوة وطبق من التمر، هذه الديوانية لم تخلو من الزوار والضيوف منذ ساعة وقوع الحدث «فالناس تأتينا من مختلف الأماكن» يقول ابو محمد. الا أن الحاضر الغائب في زيارتنا تلك هو الاستاذ علي الخلف والد الطفل سجاد، فهو الذي رتب لنا هذه الزيارة مسبقاً وفتح لنا أبواب الكتابة في هذا التحقيق، الا أنه لم يكن حاضراً ساعة اجراء التحقيق لدواعي الدوام الرسمي. يقول الحاج أبومحمد «الحمد لله رب العالمين على نعمة سلامة ابننا سجاد بفضل الله وببركة آل البيت والسيدة الجليلة «أم البنين» » ويشير الاستاذ علي الذي كان معنا على الهاتف «إن والدي الحاج وقف بجانبي في أحلك اللحظات، وكان يطمأنني في ساعة اليأس قائلاً لي: لا تخف يا بني برضانا أنا ووالدتك عليك، سيقوم ابنك سجاد بالسلامة عاجلاً انشاء الله».
وبعد قضاء وقت ممتع مع الحاج ابي محمد علمنا أن سجاد لا يزال نائماً وحتى يستيقض من نومه، استأذنا الحاج في رؤية موقع الحادثة والوقوف على مجريات الحدث على ارض الواقع، فلم يتردد في ذلك، حيث افسح لنا الطريق لدخول «غرفة السلالم» الرئيسية وأخذ يسرد لنا كيف حدث ماحدث بالتفصيل من لحظة خروج سجاد واخوه حسين من شقتهم حتى ساعة انقاذه.
في تلك الأثناء تم ايقاظ السيدة أم حسين والدة سجاد لتوقظ بدورها سجاداً كذلك، وللحقيقة بدونا للحظة وكأننا في موقف لا نحسد عليه جرّاء ازعاجنا للعائلة.. لكن تفاعل العائلة معنا انسانا كل ذلك، وان كدنا ندفع ثمن ذلك في عزوف الطفل سجاد في البداية عن التعاطي معنا، فقد بدى منزعجاً للغاية جرّاء ايقاظه من النوم.. الا ان عناية السيدة ام حسين وتشجيع الجد ابو محمد، ووصول حسين -الأخ الاكبر لسجاد- من المدرسة، كلها عوامل خدمتنا كثيراً في «اقناع» سجاد بالتعاطي معنا حتى انفتحت اساريره ليشنّف اسماعنا بترديده أبياته المعهودة بنبرة البراءة التي تسلب العقل عن لسان السيدة «أم البنين» «آنا أم البنين الفاقدة أربع شباب*** فدوة لتراب الحسين، فدوة لتراب الحسين».
عندها كان لابد لنا من استماع القصة وهي تروى ببراءة الطفولة وبحضور جميع ابطالها. فقد كانت البداية في الواحدة والنصف من ظهر يوم الإثنين 11 صفر 1426هـ الموافق 21 مارس 2005م، حين كان الطفل سجاد يلعب الكرة مع أخيه الأكبر حسين (7 سنوات) على السلّم الضيق الملاصق لباب شقتهما وهو يردد ابياتا شعرية طالما عشقها وما انفك يرددها طوال النهار، وهي تعود لقصيدة حسينية بصوت الرادود الحسيني نزار القطري كثيراً ما أعيد عرضها على «قناة الأنوار الفضائية» تحكي ابياتا حزينة عن لسان السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام الكلابية المكناة بـ«أٌم البنين» الزوجة الثانية لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ، القصيدة التي جاء في مطلعها باللهجة العراقية «آنا أُم البنين الفاقدة أربع شباب** فدوة لتراب الحسين، فدوة لتراب الحسين»، وفي الأثناء «سقطت منا الكرة للأسفل من خلال الفراغ الذي يتوسط السلالم فنزلت بغرض التقاطها من الأسفل حيث الدور الأرضي» كما يروي حسين، عند ذلك يتدخل سجاد ببراءة الطفولة وبلكنته الجميلة «كنت أريد أن القي نظرة على حسين وهو في الاسفل يلتقط الكرة» فسألناه كيف حدث ذلك مع وجود حاجز اسمنتي واق من خطر السقوط يبدو أرفع منك، فلم يتردد بالقفز فوراً أعلى الحاجز الاسمنتي في المنطقة ذاتها التي سقط منها سابقاً!! صُعقنا من حركته تلك، لكنه لم يكن مهتماً لذلك، «أقترب سجاد من الحاجز الاسمنتي الجانبي للسلّم، وتعلق به برفق في محاولة لالقاء نظرة للأسفل ليراقبني وهو يكرر ذات الأبيات الشعرية، آنا أم البنين... كمن يريد أن يُسمع تلك الأبيات الشعرية لجميع من في المنزل» كما يروي حسين، ويضيف حسين «تفاجأت لحظة وصولي للاسفل أن سجاد ممدد يتلوى أمامي اسفل السلم.. فصعقني المنظر، لأني تركته للتو في الأعلى في الدور الثالث، ذُهلت في كيفية وقوعه للاسفل دون أن أشعر به مطلقاً، مع أني كنت لحظتها نازلاً على السلّم ذاته»..
أثار صوت ارتطام الطفل بالأرضية حين هوي من علٍ قارب الأثنى عشر متراً جميع من في المنزل، «كنت مستلق على سريري على وشك النوم بعد يوم دراسي طويل، الا أن صوت ارتطام قوي افزعني، فقمت من فوري لالقاء نظرة على ما يحدث» يقول حسن (21 سنة) - أحد أعمام سجاد-، ثم يكمل «وقعت عيني أول مانظرت اسفل السلّم على سجاد وهو ممدد على الأرض ويقف بجانبه حسين وهو مرتبك ولا يدري مايصنع»، وعن الكيفية التي راى فيها سجاد «رأيت سجاد ممدداً على الارض مغمض العينين وقد خالجني شعور لوهلة أنه ربما انزلق من ارتفاع ثلاث أو أربع عتبات من السّلم، لعدم وجود أي بقعة دماء أو ما يوحي بحادث سقوط خطير، الا ان ابن أخي حسين صرخ في وجهي ان سجاداً وقع من الدور العلوي»، وحول ما فعله هو، يكمل حسن «بعد تردد دام لدقائق من هول الصدمة، وخوفا من تعريض سجاد لأي مضاعفات ظناً مني أنه ربما تعرض لكسور متعددة أو نزيف داخلي، حملته بعدها الى والدته التي كانت لاتزال بشقتها في الدور العلوي».
تقول السيدة أم حسين والدة سجاد«رأيت فجأة حماي حسن ولم أتخيل ذلك المنظر حيث نظرت لإبني سجاد هو بين يدي عمه على هيئة النائم وعينه شبه مفتوحة، فظننته لن يعيش بعد اليوم، فقطع حماي حسن دهشتي وشرود ذهني بقوله بانفعال حاد ان سجاد سقط من الدور العلوي للاسفل ولابد من أخذه فوراً للمستشفى»، كما تكمل السيدة أم حسين «اتصلت بزوجي لأستأذنه بالذهاب للمستوصف على عجل دون أن أخبره بحقيقة ماجرى بالتفصيل بل ادعيت أن سجاد تعرض لانزلاق خفيف عند السلّم حتى لا أسبب لزوجي أي ارباك وهو على وشك الوصول من مقر عمله».
يقول الحاج ابو محمد «على عجلٍ حضر ابني حسن وقال لي ان أم حسين تريد منك توصيلها الى المستشفى برفقة سجاد فقد سقط من سطح الدور الثالث، تذكرت حينها صوت الارتطام الذي سمعته منذ دقائق وظننت أن شيئاً ما سقطت من الأعلى ربما في بيت الجيران، فاتجهت بهما فوراً لمستوصف «سلامتك» بصفوى».