- إنضم
- 17 يوليو 2004
- المشاركات
- 9,227
- مستوى التفاعل
- 27
- النقاط
- 48
السلام عليكم
لقد رسخت في ذاكرتي هذه الوصية للكاتب أحمد أمين وأتذكرها
بين الحين والآخر..
ووددت أن أضعها هنا للفائدة..
أي بني
تمهيد
النصوص التالية مأخوذة من كتاب "إلى ولدي " تأليف الأستاذ أحمد أمين ونشر مكتبة النهضة المصرية . وقد جاء في مقدمة الناشر للطبعة الرابعة – 1976 ، "......... كتاب "إلى ولدي" هو أحد مؤلفات أحمد أمين الذي عُرف بأستاذ الجيل ويعتبر كتابه هذا إلى جانب كتبه الأخرى ومنها "فيض الخاطر" ، "حياتي" ، "فجر الإسلام" ، "النقد الأدبي" ، "من بين أمهات الكتب التي تأخذ مكان الصدارة بما زخرت به من أروع الأفكار وأصوب الآراء وأدق الدراسات في أسلوب سلس عذب ،وكتاب "إلى ولدي" ليس مجرد رسائل في مقالات وإنما هي عرض مفصل مسلسل لأزمات الجيل الجديد ومشكلاته وأزمات المجتمع العربي ومشكلاته أيضاً مع البحث العميق والإيضاح الكامل لحلولها وطرق التغلب عليها ."
لقد كتبت هذه الرسائل منذ أكثر من (خمسين عاماً) إلى أنها بقيت خير ما يمكن أن ينادي به مصلح أو يقدمه ناصح إلى شبابنا ومجتمعنا في يومنا هذا . يقول الأستاذ أحمد أمين في مقدمة كتابه :
" ... طلبت إليَّ مجلة " الهلال " في آخر سنة 1949 أن أكتب لها سلسلة مقالات بعنوان " رسالة إلى ولدي " تنشر خلال عام 1950 ، فأتممتها اثنتي عشرة مقالة في كل شهر مقالة ، وجهِّت فيها نصائحي ونتائج تجاربي إلى ولدي. وصادف أن كان لي ابن يُتِمّ تعليمه في انجلترا فاستحضرته في ذهني عند كتابتها . ... وهذه العادة ، عادة كتابة الآباء إلى الابناء ، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم نصيحة لقمان لإبنه ، وكثيراً ما نصح الملوكُ عمّالهم في كيف يسيرون وأي منهج ينهجون : نصح عمر بن الخطاب أَبا موسى الأشعري نصيحته المشهورة في كيف يسير في القضاء ، وقالوا إن عليِّ بن أبي طالب نصح الأشتر النخعي بنصيحته المشهورة عندما ولاه مصر . واستمرت هذه النصائح في التاريخ الأدبي إلى يومنا هذا .... ولما كان لكِّل عصر نصائحه ، ولكل عصر أسلوبه آثرتُ أن أَجْري مجراهم مراعياً اختلاف البيئة واختلاف العصر .
________________________________________
* الوصية هي ما يوجهه إنسان إلى إنسان آخر ، صديق له أو قريب ، أو عامل عنده .
وتنبع الوصية من ثمرة تجارب الموصي يوجه بها من يوصيه ويرشده إلى ما من شأنه أن يدله على سبيل السعادة .
أي بني ...أهم ما رأيت وجربت
أي بني !
إني لأَعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني ، وربيت تربية غير تربيتي ، ونشأت في بيئة غير بيئتي .
كنتُ في زمن شعاره الطاعة ، وأَنت في زمن شعاره التمرد ، وتعلمتُ أول أمري في كُتّاب حقير ، نجلس فيه على الحصير ، مدرس جبار ، يضرب على الهفوة وعدم الهفوة ، ويمرن يده بالعصا فينا كما تمرنون أيديكم على الألعاب الرياضية ، وأنت تعلمت في روضة الأطفال ، حيث تشرف عليك آنسة رقيقة مهذبة وتقدم لك تعليم القراءة والكتابة في إطار من الصور والرسوم والأغاني .
ولو عددت لك الفروق بيني وبينك ، في زمني وزمنك ، وتعليمي وتعليمك ، وبيئتي وبيئتك ، لطال الأمر . ولكن برغم كل هذا لا يزال بيني وبينك وجوه شبه أعمق من هذه المظاهر . والإنسان في جوهره والجمعيات البشرية في نزعاتها الأصلية فترجع إلى أصول واحدة ، ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد الخلف . فلأقص عليك شيئاً من تجاربي التي أعتقد أنها تفيدك .
أهم ما جربت في حياتي أَني رأيت قول الحق والتزامه ، وتحري العدل وعمله ، يُكسِب الإنسان من المزايا ما لا يُقَّدر . لقد استفدت منه راحة الضمير ، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل ، واستفدت منه حُسن ظنهم بما يصدرعني ولو لم يفهموا سببه ، ومع هذا فقد استفدت منه ايضاً مادياً أكثر مما استفاد غيري ، ممن لم يلتزموا الحق ولم يراعوا الصدق والعدل .
فإذا أردت أن تنتفع بتجربتّي فالتزم الحق والصدق والعدل في جميع أعمالك مهما تكن النتيجة .
ومن أهم تجاربي أيضاً أني رأيت كثيراً من الناس يخطئون فيظنون أن المال ، هو كل شيء في الحياة . يبيعون أنفسهم للمال ويحاولون أن يتزوجوا المال ويضيعون أعمارهم للمال ، ويفرطون في الفضيلة للمال . وقد أقنعتني التجارب أن المال وسيلة من وسائل السعادة حقاً. بشرط أن يطلب باعتدال وينفق في اعتدال ، وبشرط ألا يكون ما تحصله كثيراً ، وبشرط أن يبقى المال وسيلة أبداً ولا ينقلب غاية أبداً .
ودلتني التجارب على أن عنصر الدين في الحياة من أهم أسباب السعادة ، ولكن أصدُقك أنه لم يعجبني موقف زماننا من الدين ، ولا موقف زمانك ، فقد كان الدين في زماننا متزمتا لا سماحة فيه ، متشدداً لا لين فيه ، مغلقاً لا عقل فيه ، والدين في زمانكم متضائل لا حياة فيه ، منسي لا ذكر له ، موضوع على الرف لا يُؤْبه به ، والحياة السعيدة كما دلتني التجربة حياة ترتكز على الاعتقاد بإله يركن إليه ويعتمد عليه ، وتستمد منه المعونة ويطلب إليه التوفيق في الحياة ويملأ القلب رحمة وعطفاً وحبّاً لخير الإنسانية – يعجبني من الدين أن يكون سمحاً لا غلظة فيه ، وألا يكون ضيق الأُفق فيناهض العلم ، بل يؤمن صاحبه أن له مجاله وللعلم مجاله ، وأن الدين الصحيح لا يناقض العلم الصحيح ، وأن لا بد منهما جميعا للإنسانية ، فالعلم لحياة العقل ، والدين لحياة القلب
أي بني ...طائفة تعجبني
أي بني !
إنك الآن تدرس في انجلترا بعد أن أَتممت دراستك في مصر .والذين درسوا قبلك في أوروبا أشكال وألوان ، يمكن تقسيمهم إلى مجموعات محددة واتجاهات معينة .
فمنهم من شعر بأن حريته في مصر كانت مفقودة ، فرآها في أُوروبا موفورة ، فلقد تحرر من رقابة الأبوين ورقابة المدرسة ، وأصبح أمير نفسه، ورأى مجال اللهو في أُوروبا واسعاً فسيحاً ،(وأوروبا – على العموم – كفيلة أن تحقق كل رغبة ، وتوفر كل اتجاه ، فمن شاءَ الجَد فالأبوب أمامه مفتحة ومجال الجد لا حد له ، ومن شاء اللهو فالأبواب أمامه مفتحة ، ومجال اللهو لا حد له ) .
فانغمس في وسائل اللهو ، ووهبها كل ماله وكل تفكيره وكل وقته ، نهاره نائم ، وليله عابث وهو يلهو ويوهم أباه أنه يجد ، ويعبث ويخدع من في مصر بأنه دائب في طلب العلم ، ويحتال على أبويه في تحصيل المال بكل وسيلة . وأخيراً تنكشف الأمور عن مأساة ، ويعود إلى بلده ولا علم ولا خلق ، وقلما يصلح في مصر لعمل بعد أن فسدت نفسه ومات ضميره وذهب علمه وانحط خلقه .
ومن الدارسين في أوروبا من كانوا على العكس من ذلك . هؤلاء عكفوا على دروسهم بكل جد ، ولم يعرفوا غير حجرتهم وكتبهم وجامعتهم وقد نقلوا حجرتهم في مصر إلى حجرة في انجلترا ، وغيروا كتبهم في مصر إلى كتبهم في انجلترا وفرنسا ، وعملهم في مصر إلى عملهم هناك من غير فرق ، وظلوا يعملون ويكدون حتى نالوا الدرجة العامية . هؤلاء قد نمت عقولهم وغزر علمهم ، ولكنهم لم تتفتح قلوبهم ولم ترق نفوسهم . هؤلاء الآخرون لا يعجبونني كما لم يعجبني الأولون .
وهناك طائفة ثالثة هي التي تعجبني وهي التي أُحب أن تسير على منهجها . هؤلاء قد فهموا رسالتهم من بعثتهم على الوجه الأكمل - فهموا أنهم إنما سافروا ليدرسوا علماً وليدرسوا خلقاً – يحضرون لنيل الدكتوراه ، ويحضرون لشيء أسمى من الدكتوراه وهو دراسة الحياة الاجتماعية في انجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا ، ويبحثون عن سر عظمة هذه الأمة ومواطن قوتها وضعفها ، والفروق بينها وبين ومصر ، وما يحسن أن تقتبسه مصر ما يحسن ألا تقتبسه – يتعلمون هذه الدروس من الحياة الإجتماعية في الجامعة ، ومن الحياة العائلية في البيت ، ومن الرحلات التي تنظمها الهيئات ، ومن الحفلات التي تقام في المناسبات ، ومما تقع عليه العين المفتوحة والقلب الواعي في الشوارع والحدائق والأمكنة العامة ونحو ذلك . فهو قد تعلم من جامعته إلى جانب دروسه الخاصة أساليب التعليم في البلد الذي سافر إليه في مراحل التعليم المختلفة . وتعلم نظام الأسرة من البيت الذي نزل فيه وما دار فيه من أحداث
وكما اختلف المتعلمون في أوروبا هذا الاختلاف الذي شرحته اختلفوا كذلك في مسلكهم بعد عودتهم إلى بلادهم .
فمنهم الذي عاد إلى بلاده يشيد بمجال اللهو في أُوروبا ويفيض في وصف مغامراته ، ومنهم من عاد وكأنه لم يخرج من بلده . إلا علماً حصله أو شهادة نالها ، أما نظرته إلى الحياة وانسجامه مع الحياة الأولى التي كان يحياها قبل سفره فلم يتغير منه شيء .
ومنهم من استفاد فائدة كبرى من أوروبا في علمه ونظرته الاجتماعية ومعرفته بكثير من دقائق الحياة في البلاد التي رحل إليها ، ولكنه لما عاد إلى مصر فسرعان ما دب إليه اليأْس ..وقارن بين ما كان يعيش فيه من نظام وعدالة ونظافة وأناقة ، وما أصبح يعيش فيه في بلده من اضطراب وارتباك وظلم وقذارة . وحاول أول الأمر أن يغير شيئاً من ذلك فلم يستطع ، فيئس واستسلم وطوى نفسه على حزن عميق .
كل هؤلاء – يا بني – قد رأيت نماذج منهم ، ولا أحب أن تكون أحدهم ، إنما أُحب إذا عدت وقد اكتسبت علماً ونفساً وقلباً – أن تنظر إلى عيوب قومك فترحمهم ، ونقائصهم فتشفق عليهم . وتجتهد – ما أمكنك – في إصلاحهم فإن لم يمكنك الإصلاح العام ، فحاول الإصلاح في بيئتك الخاصة .. في طلبتك الذين تعلمهم والأساتذة الذين تخالطهم والبيت الذي تنشئه والصديق الذي تجالسه . وفي هذا القدر كفاية للرجل الطيب المحدود الإرادة . فإذا اتسعت إرادتك وقويت عزيمتك وشغلت بعد منصباً رئيسياً استطعت أن تنشر نفوذك وتعمم إصلاحك .
والرجل القوي الإرادة العظيم الشخصية يفرض إرادته ويحقق شخصيته ، ويحول التيار ولا يجرفه التيار – وهذا ما حدث فعلا من أشخاص تعلموا في أوروبا ثم عادوا فصبروا على ما أُوذوا وعاندوا في محاربة الرذيلة والانتصار للفضيلة حتى أدركوا بعض غايتهم وحققوا شيئاً من أملهم
أي بني...منهاج الذوق وتربيته
ما الحياة بلا ذوق !
أي بني !
أكتب إليك هذا في أواخر مارس ، موسم الربيع ، وموسم الجمال ، وموسم البهجة ، والدنيا – كما قال أبو تمام- :
دنيا معاش للورى حتى إذا جاءَ الربيع فإنما هي منظر ولشد ما آسف إذ أَرى مدارسكم وجامعاتكم تعنى بالعقل فتضع له المناهج الطويلة العريضة في مختلف العلوم ، وتمعن في الإجرام فتقلب الآداب والفنون إلى علوم عقلية ، أو نظريات فلسفية ، وتعنى بالجسم فتنظم له
الألعاب الرياضية ، وتقيم له مباريات السباق وكرة القدم ورفع الأثقال .. ثم لا تقيم وزناً ولا تضع منهجاً للذوق وتربيته ، وهو الأحق بالعناية والأجدر بالرعاية ، فان قصرت مدارسك وجامعاتك في ذلك ، فتول أنت تربية ذوقك بنفسك ، ووجه إليه كل همتك ، فما الحياة بلا ذوق ، وما الدنيا بلا جمال ؟ وجزى الله خيراً من وجهني إلى الجمال فهويته ، ورتبت في شبابي بائع الزهور بجانب بائع الخبز واللبن ، فأُعجبت بالورد وجماله ، وبديع ألوانه ، وبالزهور على اختلاف أنواعها ، في تناسقها وانسجامها ، فكان هذا متعة لنفسي وحياة لروحي بجانب متعة عقلي .
فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع ، ليس فرقاً في العقل وحده . بل أكثر من ذلك فرق في الذوق ، ولئن كان العقل أسس المدن ، ووضع تصميمها ، فالذوق جَمَّلها وزينها . إن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الفرد ، فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء ، وجرده من الاستمتاع بمناظر الطبيعة وجمال الأزهار ، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل ، والأدب الرفيع ، والصورة الرائعة ، وجرده من الحب في جميع أشكاله ومناحيه ، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياته .
وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأُمة ، فجردها من دور فنونها ، وجردها من حدائقها وبساتينها . وجردها من نظافة شوارعها ، وتنظيم متاحفها ، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها ، وفيما يميزها عن غيرها من الأُمم المتوحشة والأُمم البدائية
أي بني !
إن للذوق مراحل كمراحل الطريق ، ودرجات كدرجات السلم . فهو يبدأ بادراك الجمال الحسي : من صورة جميلة ، ووجه جميل ، وزهرة جميلة ، ومنظر طبيعي جميل . ثم إذا أحسنت تربيته ارتقى إلى إدراك جمال المعاني : فهو يكره القبح في الضعة والذلة ، ويعشق الجمال في الكرامة والعزة ، وينفر من أن يَظلم أو يُظلم ويُحب أن يَعدل ويُعدل معه ، ثم إذا هو ارتقى في الذوق كره القُبح في أُمته وأحب الجمال فيها ، فهو ينفر من قبح البؤس والفقر والظلم فيها ، وينشد جمال الرخاء والعدل في معاملتها إلى مستوى المصلحين . فالإصلاح المؤسس على العقل وحده لا يجدي ، وإنما يجدي الإصلاح المؤسس على العقل والذوق جميعاً .
فعلى هذا الأساس نظم ذوقك : استشعر الجمال في مأْكلك وملبسك ومسكنك ، وصادق الزهور وتعشقها ، ثم انشد الجمال في مجال الطبيعة ومد بين قلبك ومناظر البساتين والحدائق – والسماء ونجومها ، والشمس ومطلعها ومغيبها ، والبحار وأمواجها ، والجبال وجلالها – خيوطاً حريرية دقيقة تتموج بموجاتها ، وتهتز بهزاتها ، ثم انظر إلى الأخلاق على أن فضائلها جمال ، ورذائلها قبح .
بل إني أجزم لو وجدت طائفة كبيرة من أمثال هؤلاء الذين رقي ذوقهم إلى هذا الحد في أُمة ، لنهضوا بها وأعلو شأنها ، إن أمثال هؤلاء من أصحاب الذوق الرفيق لو تولوا شؤون السياسة ورياسة الأحزاب لكانوا مثلا في حب الخير ، ورقة القلب ، وإدراك يجب أن يعمل وكيف يعمل وما يجب أن يترك وكيف يترك . ولو كان أمثال هؤلاء رؤساء مصالح ، أو مديري أعمال ، لوجهوا همتهم لإتقان عملهم ، وإيصال الخير لذويهم ، وتحري وجوه النفع لمن يلوذ بهم
أي بني...منهاج الذوق وتربيته
إنك محتاج إلى إرادة قوية
أي بني !
إنك محتاج إلى مجهود جبار ، وإرادة قوية لتربية ذوقك ، وإرهاف شعورك بالجمال ، فكل ما حولك مفسد للذوق ، متلف للمشاعر السامية : بيوت لم يعن فيها بالجمال ، وشوارع لم يعن فيها بنظافة ولا نظام ، وترام تكدس فيه الناس أسوأ مما تكدست علب السردين ، وهرجلة وفوضى وضوضاءٌ في دور المحاضرات والسينما والتمثيل ، ومهاترة غير نبيلة بين الجرائد الحزبية ، وارتباك واضطراب وسوء معاملات في المكاتب الحكومية وغير الحكومية ، ورؤية البؤس والمرض والفقر والجهل والقذارة على الأرصفة في المدن ، وبين الفلاحين في القرى ، وبين العمال في المصانع ، ونبوّ في أحاديث المتحدثين ، وفي النكت بين المتنادرين ، ومئات ومئات غير ذلك ، وكلها كفيلة أن تفسد الذوق وتقضي عليه فتربيتك لذوقك واحتفاظك به سامياً لا يتأثر بهذه المفاسد ، أمر عسير لا يُنال إلا ببذل الجهد وقوة العزم .
ليس عندي نصيحة لك أعلى من أن تكون ذوقك ثم تنميه وترقيه . فإن فعلت ذلك ضمنت لك سعادة الحياة والاستمتاع بها ، وضمنت لك سمو أخلاقك ونبل عواطفك ، وضمنت لكن نجاحك على قدر كفايتك ، والله يوفقك
أكبر ما يؤلمني فيك وفي أمثالك من الشبان ، أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب ، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم، والأُمة لا يستقيم أمرها إلا إذا تعادل في أبنائها الشعور بالحقوق والواجبات معاً ، ولم يطغ أحدهما على الآخر . وكل ما نرى في الأُمة من فساد وارتباك وفوضى وتدهور نشأ من عدم الشعور بالواجب . فلو تصورنا الموظفين في المصالح الحكومية شعروا بواجبهم نحو الأفراد فأدّوا ما عليهم في عدل وسرعة ، وأدّى الصانع ما عليه في صناعته ، وأدّت الحكومة ما عليها لشعبها ، لاستقامت الأُمور وقلّت الشكوىَ ، وسعد الناس بحكومتهم وسعدت الحكومة بشعبها ، ولكن أَّنى لنا ذلك وحاجتنا شديدة إلى تفهم الواجب والعمل على وفقه ؟
إن أسوأ ما كان في زمنك حدوث الحرب ... والحرب – عادة – تزلزل الأَخلاق وتغري النفوس الضعيفة بالشره والجشع ، وتقدم لنا أمثلة كثيرة ممن اغتنوا بعد فقر ؟؟ لأسباب خسيسة أو أعمال وضيعة ، ثم تضغط على صغار الموظفين والصناع والتجار .. فيرون أنهم لا يستطيعون العيش الكافي في مجال رزقهم المحدود ، فاذا هم لم يتحصنوا بالخلق المتين مدّوا أيديهم وخربوا ذممهم . ولذلك كانت الحرب في أكثر الأُمم مبعثاً لفساد الخلق وخراب الذمم ، وهي في الأُمم الضعيفة أشد فتكاً وأسوأُ أَثراً . وواجب المصلحين بعد الحرب أن ينشلوا الأُمة من وهدتها وينقذوها من ورطتها ، ولذلك تحتاج أنت وأمثالك في مثل هذا الموقف إلى مجهود كبير يعلي مستواكم ويرفع مثلكم .
والأمل فيكم أكبر أمل ، لأَنكم رجال المستقبل وقادة الغد . فلا يستهوينكم من أثرى حولكم بالخداع والنفاق والكذب والرياءِ .. وخير أن تعيشوا فقراءَ أَعزَّاءَ من أن تعيشوا أَغنياءَ أَذلاء .
إننا في هذا الزمان أَحوج ما نكون إلى منارات تضيءُ للسائرين في لجج الظلام ، يكون شعارهم القيام بالواجب مهما كلفهم – لأنه واجب – لا طلباً للصيت وراء المجد .. لا يعرفون المجاملة ولا النفاق ، ولا يستهويهم وعد ولا يرهبهم وع
أي بني...لقد غلونا في جدّنا وغلوتم في هزلكم
أي بني !
لشد ما يؤسفني ما أرى في جيلكم من إفراط في اللهو ، كما كان يؤلمني ما كنت أرى في جيلنا من إفراط في الجد . أنت في جيل لا يشبه الجيل القديم في شيء ، عماده الحرية المطلقة ، وقلة الشعور بالمسؤولية ، والنظر إلى اللذائذ المادية على أنها غاية الغايات ، ينظرون إلى الكتب والدرس والأساتذة على أنها دواء مر يتعاطى للضرورة ، والضرورة هي الشهادة فالوظيفة .
وإذا قرأْتم شيئاً بجانب دروسكم قرأتم الكتب الرخيصة والمجلات الوضيعة التي تلهب الغرائز ، وتضعف الذكاء وتبلد العقل ، وفي كل يوم سينما أو تمثيل ،وفي كل ساعة تليفون يرن لكم أو يرن منكم لمقابلة لاهية أو محادثة عابثة .
أي بني !
لقد غلونا في جدّنا وغلوتم في هزلكم ...
غلونا في جدنا حتى اكتأبت نفوسنا ، وانقبضت صدورنا ، ولم تتفتح للحياة كما يجب ، ولم تبتهج لها كما ينبغي .
صرتم كالشيء التافه لا طعم له ، وكالماء الفاتر لا ساخن ولا بارد ... ينكسر لأدنى ملامسة ، أو هشيماً تذروه الر
أي بني...لذة العقل
أي بني !
لست أريدك أن تكون راهبا ، فمتى خلقت إنساناً لا ملكا فلتكن إنسانا له ملذاته وشهواته في حدود عقله ومنفعته ومنفعة أمته . أريدك أن تفهم معنى اللذة في حدودها الواسعة لا الضيقة .. إن اللذة درجات كدرجات السلّم آخذة في الصعود ، فأسفل درجاتها لذة الأكل والشرب واللباس ، وما إلى ذلك . ومن غريب امر هذه اللذة أنها تفقد قيمتها بعد الاستمتاع بقليل منها ، ثم هي ليست مرادفة للسعادة ، فكثير ممن يأكلون الأكل الفاخر ، ويلبسون اللباس الأنيق ، ويسكنون القصور الفخمة ، هم مع ذلك أشقياء .. ثم هذه اللذائذ قيمتها في الاعتدال فيها ، وعدم التهافت على كسبها ، إن شئت فاحسب حساب من أفرط فيها في فترة قصيرة من الزمن ثم فقد صحته ، فلم يعد يستطيع أن يتابع لذته ، وحساب من اعتدل فطال زمن لذته مضافا إلى لذته من صحته .
وأرقى من هذه درجة ، لذة العلم والبحث والقراءة والدرس .. فهذه لذة العقل وتلك لذة الجسم ، وهذه أطول زمنا ، وأقل مؤنة ، وأبعد عن المنافسة والمزاحمة ، والتقاتل والتكالب ، وصاحبها أقل عرضة لتلف النفس وضياع الصحة .
وإن أردت الدليل على أنها أرقى من الذائذ المادية ، فاسأل من جرب اللذتين ، ومارس النوعين ، تجد العالم الباحث والفنان الماهر والفيلسوف المتعمق لا يهمهم مأكلهم وملبسهم بقدر ما تهمهم لذتهم من بحثهم وفنهم وتكفيرهم .
وأرقى من هذه وتلك لذة من وهب نفسه لخدمة مبدأ يسعى لتحقيقه ، أو فكرة إنسانية يجاهد في إعلانها واعتناقها، أو إصلاح لداء اجتماعي يبذل جهده للقضاء عليه .. فهذه هي السعادة ولو مع الفقر ، ولكن لا يصل إلى هذه الدرجة من اللذة إلا من رقي حسه وسمت نفسه .
أي بني...ماذا تعرف عن عمر الخيام ؟
أي بني !
لقد كتب إليَّ أخوك مرة من لندن – بعد أن أتم دراسته في كلية الهندسة بجامعة فؤاد ، وذهب إلى انجلترا يعد نفسه لنيل الدكتوراه – يقول : إنه ضمه مجلس مع جماعة من شبان الإنكليز المتخصصين في الهندسة أيضاً ، وما زال الحديث يتنقل بينهم إلى أن وصلوا إلى عمر الخيام ، فأخذ كل يبدي رأيه في شعره وفلسفته في الحياة ، وجمال رباعياته ، والروح التي تبثها في النفوس ، وهل هي روح قوية أو ضعيفة تناسب هذا العصر أو لا
تناسبه ؟ ونحو ذلك ..
وإن أخاك أثناء هذا الحديث كله ، لم يستطع أن ينبس بكلمة ولا أن يشارك في هذا الحديث بأي رأي ، لأنه لم يسمع قبل هذا المجلس عن عمر الخيام ، ولم يعرف عنه شيئاً ، وأنه خجل من نفسه وخجل من ثقافته .
وأنت الآن تدرس الهندسة كأخيك ، وأخشى أن تكون أيضاً لم تسمع بعمر الخيام وأمثاله ... وربما لم يسمع عنه أيضاً كل إخوانك في كلية الهندسة ، وكل زملائك في كلية الطب والزراعة والتجارة ، وبعبارة أخرى كل المتخصصين في الدراسات العلمية والفنية .
وهذا عيب شنيع ألفت إليه نظرك ونظر زملائك ، وأريد أن تتبرأوا منه جميعاً . إنكم تظنون أن واجبكم يحتم عليكم دراسة فنكم والتوسع فيه ما أمكن وكفى ، فإن كان عليكم واجب ثقافي آخر فقراءة جريدة سياسية أو مجلة خفيفة ، تقرأُونها عند تنقلكم في الترام أو القطار ، أو للتسلية قبل النوم ، فإن تم هذا كله ظننتم أنكم أديتم واجبكم نحو عقلكم . ولا بأس بعد ذلك أن تجهلوا ما يجري في العالم من شؤون اجتماعية وثقافية عامة أدبية . وفي هذا من الخطأ ما يجب أن تتحرر منه أنت وأمثالك .
لقد رسخت في ذاكرتي هذه الوصية للكاتب أحمد أمين وأتذكرها
بين الحين والآخر..
ووددت أن أضعها هنا للفائدة..
أي بني
تمهيد
النصوص التالية مأخوذة من كتاب "إلى ولدي " تأليف الأستاذ أحمد أمين ونشر مكتبة النهضة المصرية . وقد جاء في مقدمة الناشر للطبعة الرابعة – 1976 ، "......... كتاب "إلى ولدي" هو أحد مؤلفات أحمد أمين الذي عُرف بأستاذ الجيل ويعتبر كتابه هذا إلى جانب كتبه الأخرى ومنها "فيض الخاطر" ، "حياتي" ، "فجر الإسلام" ، "النقد الأدبي" ، "من بين أمهات الكتب التي تأخذ مكان الصدارة بما زخرت به من أروع الأفكار وأصوب الآراء وأدق الدراسات في أسلوب سلس عذب ،وكتاب "إلى ولدي" ليس مجرد رسائل في مقالات وإنما هي عرض مفصل مسلسل لأزمات الجيل الجديد ومشكلاته وأزمات المجتمع العربي ومشكلاته أيضاً مع البحث العميق والإيضاح الكامل لحلولها وطرق التغلب عليها ."
لقد كتبت هذه الرسائل منذ أكثر من (خمسين عاماً) إلى أنها بقيت خير ما يمكن أن ينادي به مصلح أو يقدمه ناصح إلى شبابنا ومجتمعنا في يومنا هذا . يقول الأستاذ أحمد أمين في مقدمة كتابه :
" ... طلبت إليَّ مجلة " الهلال " في آخر سنة 1949 أن أكتب لها سلسلة مقالات بعنوان " رسالة إلى ولدي " تنشر خلال عام 1950 ، فأتممتها اثنتي عشرة مقالة في كل شهر مقالة ، وجهِّت فيها نصائحي ونتائج تجاربي إلى ولدي. وصادف أن كان لي ابن يُتِمّ تعليمه في انجلترا فاستحضرته في ذهني عند كتابتها . ... وهذه العادة ، عادة كتابة الآباء إلى الابناء ، عادة قديمة قصها علينا القرآن الكريم نصيحة لقمان لإبنه ، وكثيراً ما نصح الملوكُ عمّالهم في كيف يسيرون وأي منهج ينهجون : نصح عمر بن الخطاب أَبا موسى الأشعري نصيحته المشهورة في كيف يسير في القضاء ، وقالوا إن عليِّ بن أبي طالب نصح الأشتر النخعي بنصيحته المشهورة عندما ولاه مصر . واستمرت هذه النصائح في التاريخ الأدبي إلى يومنا هذا .... ولما كان لكِّل عصر نصائحه ، ولكل عصر أسلوبه آثرتُ أن أَجْري مجراهم مراعياً اختلاف البيئة واختلاف العصر .
________________________________________
* الوصية هي ما يوجهه إنسان إلى إنسان آخر ، صديق له أو قريب ، أو عامل عنده .
وتنبع الوصية من ثمرة تجارب الموصي يوجه بها من يوصيه ويرشده إلى ما من شأنه أن يدله على سبيل السعادة .
أي بني ...أهم ما رأيت وجربت
أي بني !
إني لأَعلم أنك قد خلقت لزمن غير زمني ، وربيت تربية غير تربيتي ، ونشأت في بيئة غير بيئتي .
كنتُ في زمن شعاره الطاعة ، وأَنت في زمن شعاره التمرد ، وتعلمتُ أول أمري في كُتّاب حقير ، نجلس فيه على الحصير ، مدرس جبار ، يضرب على الهفوة وعدم الهفوة ، ويمرن يده بالعصا فينا كما تمرنون أيديكم على الألعاب الرياضية ، وأنت تعلمت في روضة الأطفال ، حيث تشرف عليك آنسة رقيقة مهذبة وتقدم لك تعليم القراءة والكتابة في إطار من الصور والرسوم والأغاني .
ولو عددت لك الفروق بيني وبينك ، في زمني وزمنك ، وتعليمي وتعليمك ، وبيئتي وبيئتك ، لطال الأمر . ولكن برغم كل هذا لا يزال بيني وبينك وجوه شبه أعمق من هذه المظاهر . والإنسان في جوهره والجمعيات البشرية في نزعاتها الأصلية فترجع إلى أصول واحدة ، ومن أجل هذا كانت تجارب السلف تفيد الخلف . فلأقص عليك شيئاً من تجاربي التي أعتقد أنها تفيدك .
أهم ما جربت في حياتي أَني رأيت قول الحق والتزامه ، وتحري العدل وعمله ، يُكسِب الإنسان من المزايا ما لا يُقَّدر . لقد استفدت منه راحة الضمير ، واستفدت منه ثقة الناس بما أقول وما أعمل ، واستفدت منه حُسن ظنهم بما يصدرعني ولو لم يفهموا سببه ، ومع هذا فقد استفدت منه ايضاً مادياً أكثر مما استفاد غيري ، ممن لم يلتزموا الحق ولم يراعوا الصدق والعدل .
فإذا أردت أن تنتفع بتجربتّي فالتزم الحق والصدق والعدل في جميع أعمالك مهما تكن النتيجة .
ومن أهم تجاربي أيضاً أني رأيت كثيراً من الناس يخطئون فيظنون أن المال ، هو كل شيء في الحياة . يبيعون أنفسهم للمال ويحاولون أن يتزوجوا المال ويضيعون أعمارهم للمال ، ويفرطون في الفضيلة للمال . وقد أقنعتني التجارب أن المال وسيلة من وسائل السعادة حقاً. بشرط أن يطلب باعتدال وينفق في اعتدال ، وبشرط ألا يكون ما تحصله كثيراً ، وبشرط أن يبقى المال وسيلة أبداً ولا ينقلب غاية أبداً .
ودلتني التجارب على أن عنصر الدين في الحياة من أهم أسباب السعادة ، ولكن أصدُقك أنه لم يعجبني موقف زماننا من الدين ، ولا موقف زمانك ، فقد كان الدين في زماننا متزمتا لا سماحة فيه ، متشدداً لا لين فيه ، مغلقاً لا عقل فيه ، والدين في زمانكم متضائل لا حياة فيه ، منسي لا ذكر له ، موضوع على الرف لا يُؤْبه به ، والحياة السعيدة كما دلتني التجربة حياة ترتكز على الاعتقاد بإله يركن إليه ويعتمد عليه ، وتستمد منه المعونة ويطلب إليه التوفيق في الحياة ويملأ القلب رحمة وعطفاً وحبّاً لخير الإنسانية – يعجبني من الدين أن يكون سمحاً لا غلظة فيه ، وألا يكون ضيق الأُفق فيناهض العلم ، بل يؤمن صاحبه أن له مجاله وللعلم مجاله ، وأن الدين الصحيح لا يناقض العلم الصحيح ، وأن لا بد منهما جميعا للإنسانية ، فالعلم لحياة العقل ، والدين لحياة القلب
أي بني ...طائفة تعجبني
أي بني !
إنك الآن تدرس في انجلترا بعد أن أَتممت دراستك في مصر .والذين درسوا قبلك في أوروبا أشكال وألوان ، يمكن تقسيمهم إلى مجموعات محددة واتجاهات معينة .
فمنهم من شعر بأن حريته في مصر كانت مفقودة ، فرآها في أُوروبا موفورة ، فلقد تحرر من رقابة الأبوين ورقابة المدرسة ، وأصبح أمير نفسه، ورأى مجال اللهو في أُوروبا واسعاً فسيحاً ،(وأوروبا – على العموم – كفيلة أن تحقق كل رغبة ، وتوفر كل اتجاه ، فمن شاءَ الجَد فالأبوب أمامه مفتحة ومجال الجد لا حد له ، ومن شاء اللهو فالأبواب أمامه مفتحة ، ومجال اللهو لا حد له ) .
فانغمس في وسائل اللهو ، ووهبها كل ماله وكل تفكيره وكل وقته ، نهاره نائم ، وليله عابث وهو يلهو ويوهم أباه أنه يجد ، ويعبث ويخدع من في مصر بأنه دائب في طلب العلم ، ويحتال على أبويه في تحصيل المال بكل وسيلة . وأخيراً تنكشف الأمور عن مأساة ، ويعود إلى بلده ولا علم ولا خلق ، وقلما يصلح في مصر لعمل بعد أن فسدت نفسه ومات ضميره وذهب علمه وانحط خلقه .
ومن الدارسين في أوروبا من كانوا على العكس من ذلك . هؤلاء عكفوا على دروسهم بكل جد ، ولم يعرفوا غير حجرتهم وكتبهم وجامعتهم وقد نقلوا حجرتهم في مصر إلى حجرة في انجلترا ، وغيروا كتبهم في مصر إلى كتبهم في انجلترا وفرنسا ، وعملهم في مصر إلى عملهم هناك من غير فرق ، وظلوا يعملون ويكدون حتى نالوا الدرجة العامية . هؤلاء قد نمت عقولهم وغزر علمهم ، ولكنهم لم تتفتح قلوبهم ولم ترق نفوسهم . هؤلاء الآخرون لا يعجبونني كما لم يعجبني الأولون .
وهناك طائفة ثالثة هي التي تعجبني وهي التي أُحب أن تسير على منهجها . هؤلاء قد فهموا رسالتهم من بعثتهم على الوجه الأكمل - فهموا أنهم إنما سافروا ليدرسوا علماً وليدرسوا خلقاً – يحضرون لنيل الدكتوراه ، ويحضرون لشيء أسمى من الدكتوراه وهو دراسة الحياة الاجتماعية في انجلترا أو فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا ، ويبحثون عن سر عظمة هذه الأمة ومواطن قوتها وضعفها ، والفروق بينها وبين ومصر ، وما يحسن أن تقتبسه مصر ما يحسن ألا تقتبسه – يتعلمون هذه الدروس من الحياة الإجتماعية في الجامعة ، ومن الحياة العائلية في البيت ، ومن الرحلات التي تنظمها الهيئات ، ومن الحفلات التي تقام في المناسبات ، ومما تقع عليه العين المفتوحة والقلب الواعي في الشوارع والحدائق والأمكنة العامة ونحو ذلك . فهو قد تعلم من جامعته إلى جانب دروسه الخاصة أساليب التعليم في البلد الذي سافر إليه في مراحل التعليم المختلفة . وتعلم نظام الأسرة من البيت الذي نزل فيه وما دار فيه من أحداث
وكما اختلف المتعلمون في أوروبا هذا الاختلاف الذي شرحته اختلفوا كذلك في مسلكهم بعد عودتهم إلى بلادهم .
فمنهم الذي عاد إلى بلاده يشيد بمجال اللهو في أُوروبا ويفيض في وصف مغامراته ، ومنهم من عاد وكأنه لم يخرج من بلده . إلا علماً حصله أو شهادة نالها ، أما نظرته إلى الحياة وانسجامه مع الحياة الأولى التي كان يحياها قبل سفره فلم يتغير منه شيء .
ومنهم من استفاد فائدة كبرى من أوروبا في علمه ونظرته الاجتماعية ومعرفته بكثير من دقائق الحياة في البلاد التي رحل إليها ، ولكنه لما عاد إلى مصر فسرعان ما دب إليه اليأْس ..وقارن بين ما كان يعيش فيه من نظام وعدالة ونظافة وأناقة ، وما أصبح يعيش فيه في بلده من اضطراب وارتباك وظلم وقذارة . وحاول أول الأمر أن يغير شيئاً من ذلك فلم يستطع ، فيئس واستسلم وطوى نفسه على حزن عميق .
كل هؤلاء – يا بني – قد رأيت نماذج منهم ، ولا أحب أن تكون أحدهم ، إنما أُحب إذا عدت وقد اكتسبت علماً ونفساً وقلباً – أن تنظر إلى عيوب قومك فترحمهم ، ونقائصهم فتشفق عليهم . وتجتهد – ما أمكنك – في إصلاحهم فإن لم يمكنك الإصلاح العام ، فحاول الإصلاح في بيئتك الخاصة .. في طلبتك الذين تعلمهم والأساتذة الذين تخالطهم والبيت الذي تنشئه والصديق الذي تجالسه . وفي هذا القدر كفاية للرجل الطيب المحدود الإرادة . فإذا اتسعت إرادتك وقويت عزيمتك وشغلت بعد منصباً رئيسياً استطعت أن تنشر نفوذك وتعمم إصلاحك .
والرجل القوي الإرادة العظيم الشخصية يفرض إرادته ويحقق شخصيته ، ويحول التيار ولا يجرفه التيار – وهذا ما حدث فعلا من أشخاص تعلموا في أوروبا ثم عادوا فصبروا على ما أُوذوا وعاندوا في محاربة الرذيلة والانتصار للفضيلة حتى أدركوا بعض غايتهم وحققوا شيئاً من أملهم
أي بني...منهاج الذوق وتربيته
ما الحياة بلا ذوق !
أي بني !
أكتب إليك هذا في أواخر مارس ، موسم الربيع ، وموسم الجمال ، وموسم البهجة ، والدنيا – كما قال أبو تمام- :
دنيا معاش للورى حتى إذا جاءَ الربيع فإنما هي منظر ولشد ما آسف إذ أَرى مدارسكم وجامعاتكم تعنى بالعقل فتضع له المناهج الطويلة العريضة في مختلف العلوم ، وتمعن في الإجرام فتقلب الآداب والفنون إلى علوم عقلية ، أو نظريات فلسفية ، وتعنى بالجسم فتنظم له
الألعاب الرياضية ، وتقيم له مباريات السباق وكرة القدم ورفع الأثقال .. ثم لا تقيم وزناً ولا تضع منهجاً للذوق وتربيته ، وهو الأحق بالعناية والأجدر بالرعاية ، فان قصرت مدارسك وجامعاتك في ذلك ، فتول أنت تربية ذوقك بنفسك ، ووجه إليه كل همتك ، فما الحياة بلا ذوق ، وما الدنيا بلا جمال ؟ وجزى الله خيراً من وجهني إلى الجمال فهويته ، ورتبت في شبابي بائع الزهور بجانب بائع الخبز واللبن ، فأُعجبت بالورد وجماله ، وبديع ألوانه ، وبالزهور على اختلاف أنواعها ، في تناسقها وانسجامها ، فكان هذا متعة لنفسي وحياة لروحي بجانب متعة عقلي .
فالفرق بين إنسان وضيع وإنسان رفيع ، ليس فرقاً في العقل وحده . بل أكثر من ذلك فرق في الذوق ، ولئن كان العقل أسس المدن ، ووضع تصميمها ، فالذوق جَمَّلها وزينها . إن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الفرد ، فجرده من الطرب بالموسيقى والغناء ، وجرده من الاستمتاع بمناظر الطبيعة وجمال الأزهار ، وجرده من أن يهتز للشعر الجميل ، والأدب الرفيع ، والصورة الرائعة ، وجرده من الحب في جميع أشكاله ومناحيه ، ثم انظر بعد ذلك ماذا عسى أن يكون وماذا عسى أن تكون حياته .
وإن شئت أن تعرف قيمة الذوق في الأُمة ، فجردها من دور فنونها ، وجردها من حدائقها وبساتينها . وجردها من نظافة شوارعها ، وتنظيم متاحفها ، ثم انظر بعد ذلك في قيمتها ، وفيما يميزها عن غيرها من الأُمم المتوحشة والأُمم البدائية
أي بني !
إن للذوق مراحل كمراحل الطريق ، ودرجات كدرجات السلم . فهو يبدأ بادراك الجمال الحسي : من صورة جميلة ، ووجه جميل ، وزهرة جميلة ، ومنظر طبيعي جميل . ثم إذا أحسنت تربيته ارتقى إلى إدراك جمال المعاني : فهو يكره القبح في الضعة والذلة ، ويعشق الجمال في الكرامة والعزة ، وينفر من أن يَظلم أو يُظلم ويُحب أن يَعدل ويُعدل معه ، ثم إذا هو ارتقى في الذوق كره القُبح في أُمته وأحب الجمال فيها ، فهو ينفر من قبح البؤس والفقر والظلم فيها ، وينشد جمال الرخاء والعدل في معاملتها إلى مستوى المصلحين . فالإصلاح المؤسس على العقل وحده لا يجدي ، وإنما يجدي الإصلاح المؤسس على العقل والذوق جميعاً .
فعلى هذا الأساس نظم ذوقك : استشعر الجمال في مأْكلك وملبسك ومسكنك ، وصادق الزهور وتعشقها ، ثم انشد الجمال في مجال الطبيعة ومد بين قلبك ومناظر البساتين والحدائق – والسماء ونجومها ، والشمس ومطلعها ومغيبها ، والبحار وأمواجها ، والجبال وجلالها – خيوطاً حريرية دقيقة تتموج بموجاتها ، وتهتز بهزاتها ، ثم انظر إلى الأخلاق على أن فضائلها جمال ، ورذائلها قبح .
بل إني أجزم لو وجدت طائفة كبيرة من أمثال هؤلاء الذين رقي ذوقهم إلى هذا الحد في أُمة ، لنهضوا بها وأعلو شأنها ، إن أمثال هؤلاء من أصحاب الذوق الرفيق لو تولوا شؤون السياسة ورياسة الأحزاب لكانوا مثلا في حب الخير ، ورقة القلب ، وإدراك يجب أن يعمل وكيف يعمل وما يجب أن يترك وكيف يترك . ولو كان أمثال هؤلاء رؤساء مصالح ، أو مديري أعمال ، لوجهوا همتهم لإتقان عملهم ، وإيصال الخير لذويهم ، وتحري وجوه النفع لمن يلوذ بهم
أي بني...منهاج الذوق وتربيته
إنك محتاج إلى إرادة قوية
أي بني !
إنك محتاج إلى مجهود جبار ، وإرادة قوية لتربية ذوقك ، وإرهاف شعورك بالجمال ، فكل ما حولك مفسد للذوق ، متلف للمشاعر السامية : بيوت لم يعن فيها بالجمال ، وشوارع لم يعن فيها بنظافة ولا نظام ، وترام تكدس فيه الناس أسوأ مما تكدست علب السردين ، وهرجلة وفوضى وضوضاءٌ في دور المحاضرات والسينما والتمثيل ، ومهاترة غير نبيلة بين الجرائد الحزبية ، وارتباك واضطراب وسوء معاملات في المكاتب الحكومية وغير الحكومية ، ورؤية البؤس والمرض والفقر والجهل والقذارة على الأرصفة في المدن ، وبين الفلاحين في القرى ، وبين العمال في المصانع ، ونبوّ في أحاديث المتحدثين ، وفي النكت بين المتنادرين ، ومئات ومئات غير ذلك ، وكلها كفيلة أن تفسد الذوق وتقضي عليه فتربيتك لذوقك واحتفاظك به سامياً لا يتأثر بهذه المفاسد ، أمر عسير لا يُنال إلا ببذل الجهد وقوة العزم .
ليس عندي نصيحة لك أعلى من أن تكون ذوقك ثم تنميه وترقيه . فإن فعلت ذلك ضمنت لك سعادة الحياة والاستمتاع بها ، وضمنت لك سمو أخلاقك ونبل عواطفك ، وضمنت لكن نجاحك على قدر كفايتك ، والله يوفقك
أكبر ما يؤلمني فيك وفي أمثالك من الشبان ، أنكم فهمتم الحقوق أكثر مما فهمتم الواجب ، وطالبتم غيركم بحقوقكم أكثر مما طالبتم أنفسكم بواجباتكم، والأُمة لا يستقيم أمرها إلا إذا تعادل في أبنائها الشعور بالحقوق والواجبات معاً ، ولم يطغ أحدهما على الآخر . وكل ما نرى في الأُمة من فساد وارتباك وفوضى وتدهور نشأ من عدم الشعور بالواجب . فلو تصورنا الموظفين في المصالح الحكومية شعروا بواجبهم نحو الأفراد فأدّوا ما عليهم في عدل وسرعة ، وأدّى الصانع ما عليه في صناعته ، وأدّت الحكومة ما عليها لشعبها ، لاستقامت الأُمور وقلّت الشكوىَ ، وسعد الناس بحكومتهم وسعدت الحكومة بشعبها ، ولكن أَّنى لنا ذلك وحاجتنا شديدة إلى تفهم الواجب والعمل على وفقه ؟
إن أسوأ ما كان في زمنك حدوث الحرب ... والحرب – عادة – تزلزل الأَخلاق وتغري النفوس الضعيفة بالشره والجشع ، وتقدم لنا أمثلة كثيرة ممن اغتنوا بعد فقر ؟؟ لأسباب خسيسة أو أعمال وضيعة ، ثم تضغط على صغار الموظفين والصناع والتجار .. فيرون أنهم لا يستطيعون العيش الكافي في مجال رزقهم المحدود ، فاذا هم لم يتحصنوا بالخلق المتين مدّوا أيديهم وخربوا ذممهم . ولذلك كانت الحرب في أكثر الأُمم مبعثاً لفساد الخلق وخراب الذمم ، وهي في الأُمم الضعيفة أشد فتكاً وأسوأُ أَثراً . وواجب المصلحين بعد الحرب أن ينشلوا الأُمة من وهدتها وينقذوها من ورطتها ، ولذلك تحتاج أنت وأمثالك في مثل هذا الموقف إلى مجهود كبير يعلي مستواكم ويرفع مثلكم .
والأمل فيكم أكبر أمل ، لأَنكم رجال المستقبل وقادة الغد . فلا يستهوينكم من أثرى حولكم بالخداع والنفاق والكذب والرياءِ .. وخير أن تعيشوا فقراءَ أَعزَّاءَ من أن تعيشوا أَغنياءَ أَذلاء .
إننا في هذا الزمان أَحوج ما نكون إلى منارات تضيءُ للسائرين في لجج الظلام ، يكون شعارهم القيام بالواجب مهما كلفهم – لأنه واجب – لا طلباً للصيت وراء المجد .. لا يعرفون المجاملة ولا النفاق ، ولا يستهويهم وعد ولا يرهبهم وع
أي بني...لقد غلونا في جدّنا وغلوتم في هزلكم
أي بني !
لشد ما يؤسفني ما أرى في جيلكم من إفراط في اللهو ، كما كان يؤلمني ما كنت أرى في جيلنا من إفراط في الجد . أنت في جيل لا يشبه الجيل القديم في شيء ، عماده الحرية المطلقة ، وقلة الشعور بالمسؤولية ، والنظر إلى اللذائذ المادية على أنها غاية الغايات ، ينظرون إلى الكتب والدرس والأساتذة على أنها دواء مر يتعاطى للضرورة ، والضرورة هي الشهادة فالوظيفة .
وإذا قرأْتم شيئاً بجانب دروسكم قرأتم الكتب الرخيصة والمجلات الوضيعة التي تلهب الغرائز ، وتضعف الذكاء وتبلد العقل ، وفي كل يوم سينما أو تمثيل ،وفي كل ساعة تليفون يرن لكم أو يرن منكم لمقابلة لاهية أو محادثة عابثة .
أي بني !
لقد غلونا في جدّنا وغلوتم في هزلكم ...
غلونا في جدنا حتى اكتأبت نفوسنا ، وانقبضت صدورنا ، ولم تتفتح للحياة كما يجب ، ولم تبتهج لها كما ينبغي .
صرتم كالشيء التافه لا طعم له ، وكالماء الفاتر لا ساخن ولا بارد ... ينكسر لأدنى ملامسة ، أو هشيماً تذروه الر
أي بني...لذة العقل
أي بني !
لست أريدك أن تكون راهبا ، فمتى خلقت إنساناً لا ملكا فلتكن إنسانا له ملذاته وشهواته في حدود عقله ومنفعته ومنفعة أمته . أريدك أن تفهم معنى اللذة في حدودها الواسعة لا الضيقة .. إن اللذة درجات كدرجات السلّم آخذة في الصعود ، فأسفل درجاتها لذة الأكل والشرب واللباس ، وما إلى ذلك . ومن غريب امر هذه اللذة أنها تفقد قيمتها بعد الاستمتاع بقليل منها ، ثم هي ليست مرادفة للسعادة ، فكثير ممن يأكلون الأكل الفاخر ، ويلبسون اللباس الأنيق ، ويسكنون القصور الفخمة ، هم مع ذلك أشقياء .. ثم هذه اللذائذ قيمتها في الاعتدال فيها ، وعدم التهافت على كسبها ، إن شئت فاحسب حساب من أفرط فيها في فترة قصيرة من الزمن ثم فقد صحته ، فلم يعد يستطيع أن يتابع لذته ، وحساب من اعتدل فطال زمن لذته مضافا إلى لذته من صحته .
وأرقى من هذه درجة ، لذة العلم والبحث والقراءة والدرس .. فهذه لذة العقل وتلك لذة الجسم ، وهذه أطول زمنا ، وأقل مؤنة ، وأبعد عن المنافسة والمزاحمة ، والتقاتل والتكالب ، وصاحبها أقل عرضة لتلف النفس وضياع الصحة .
وإن أردت الدليل على أنها أرقى من الذائذ المادية ، فاسأل من جرب اللذتين ، ومارس النوعين ، تجد العالم الباحث والفنان الماهر والفيلسوف المتعمق لا يهمهم مأكلهم وملبسهم بقدر ما تهمهم لذتهم من بحثهم وفنهم وتكفيرهم .
وأرقى من هذه وتلك لذة من وهب نفسه لخدمة مبدأ يسعى لتحقيقه ، أو فكرة إنسانية يجاهد في إعلانها واعتناقها، أو إصلاح لداء اجتماعي يبذل جهده للقضاء عليه .. فهذه هي السعادة ولو مع الفقر ، ولكن لا يصل إلى هذه الدرجة من اللذة إلا من رقي حسه وسمت نفسه .
أي بني...ماذا تعرف عن عمر الخيام ؟
أي بني !
لقد كتب إليَّ أخوك مرة من لندن – بعد أن أتم دراسته في كلية الهندسة بجامعة فؤاد ، وذهب إلى انجلترا يعد نفسه لنيل الدكتوراه – يقول : إنه ضمه مجلس مع جماعة من شبان الإنكليز المتخصصين في الهندسة أيضاً ، وما زال الحديث يتنقل بينهم إلى أن وصلوا إلى عمر الخيام ، فأخذ كل يبدي رأيه في شعره وفلسفته في الحياة ، وجمال رباعياته ، والروح التي تبثها في النفوس ، وهل هي روح قوية أو ضعيفة تناسب هذا العصر أو لا
تناسبه ؟ ونحو ذلك ..
وإن أخاك أثناء هذا الحديث كله ، لم يستطع أن ينبس بكلمة ولا أن يشارك في هذا الحديث بأي رأي ، لأنه لم يسمع قبل هذا المجلس عن عمر الخيام ، ولم يعرف عنه شيئاً ، وأنه خجل من نفسه وخجل من ثقافته .
وأنت الآن تدرس الهندسة كأخيك ، وأخشى أن تكون أيضاً لم تسمع بعمر الخيام وأمثاله ... وربما لم يسمع عنه أيضاً كل إخوانك في كلية الهندسة ، وكل زملائك في كلية الطب والزراعة والتجارة ، وبعبارة أخرى كل المتخصصين في الدراسات العلمية والفنية .
وهذا عيب شنيع ألفت إليه نظرك ونظر زملائك ، وأريد أن تتبرأوا منه جميعاً . إنكم تظنون أن واجبكم يحتم عليكم دراسة فنكم والتوسع فيه ما أمكن وكفى ، فإن كان عليكم واجب ثقافي آخر فقراءة جريدة سياسية أو مجلة خفيفة ، تقرأُونها عند تنقلكم في الترام أو القطار ، أو للتسلية قبل النوم ، فإن تم هذا كله ظننتم أنكم أديتم واجبكم نحو عقلكم . ولا بأس بعد ذلك أن تجهلوا ما يجري في العالم من شؤون اجتماعية وثقافية عامة أدبية . وفي هذا من الخطأ ما يجب أن تتحرر منه أنت وأمثالك .