محطة التزوّد بالوقود الروحيّ
..
..
ليلة القدر هي محطّة للتـزوّد بالوقود الروحي. والإنسان يحتاج إلى محطّات في حياته، ويحتاج الى منابع،
وهذه المنابع موجودة ومتوفّرة في ليلة القدر كما أن الإنسان تلزمه إعادة النظر في حياته الروحية في ليلة القدر،
ولعظمـة هذه الليلة وأهميّتها لما أكّد عليها الخالق عز وجل كلّ هذا التأكيد الذي يفوق أيّ تأكيد آخر على أية مناسبة أخرى،
لأنها - أي هذه الليلة - مفعمة بالمعاني والدلالات الروحيّة، ولذلك جاء التأكيد على أداء الممارسات العباديّة فيها،
ومنها الصلاة المندوبة التي على الإنسان المسلم أن يؤدّيها فرادى لكي لا يختلط عمله بالرياء.
فصلاة الليل هي الصلاة التي سنّت وشرعت لتكريس العلاقة الروحية، هذا التكريس الذي لا يمكن أن يحدث إلاّ إذا أدّى الإنسان العبادات بعيداً عن الناس.
ترى من منّا فكّر أن يخلو الى نفسه في زاوية من الزوايا ليلة أو ليلتين ليعيد النظر في علاقته مع الله عز وجل،
وفي سلوكه وتصرّفاته؟ ومن منّا فكّر في أنه هل هو من أهل الجنّة أم من أهل النار، وهل أنّ أعماله قرآنية أم لا؟
وإذا ما مات الإنسان فإنّ فرصته لا يمكن أن تعود، فلماذا يستمرّ في خداع ذاته، ولماذا لا يتنبّه من غفلته، وقد ورد: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".
وأنا أتصوّر إنّ الإنسان يشبه الى حد كبير الرجل الذي ابتلع مجموعة ضخمة من الحبوب المنوّمة،
وهو يعرف أن علاجه أن يستيقظ من النوم ليداوي ويعالج نفسه بقوّة إرادته، ثم هو يوقظ نفسه ولكن لعدة دقائق تضعف إرادته
بعدها ليتغلّب عليه النوم مرّة أخرى، ثم ينتبه مرّة أخرى من خلال عامل إيقاظ ذاتي أو خارجي ثم إذا به ينام مرّة أخرى وهكذا.
وحتى ينتبه الانتباه المطلوب فانه بحاجة الى المزيد من الوقت.
وقد أثبت علم النفس الحديث ان الإنسان إذا تعوّد - مثلاً- أن يطالع في غرفة معينة ووفق شروط خاصّة خلال ساعة محدّدة،
فعندما يحين الوقت يجد نفسه مشدوداً الى المطالعة دون إرادته، وهذه عادة النفس البشرية.
النقد الذاتي
ولو أنّنا خصّصنا في كلّ عام ليلة القدر لإعادة النظر في حياتنا، وفي علاقتنا بالله جل وعلا،
وفي مجمل سلوكنا ومناهجنا وطرق تفكيرنا، لتعوّدت أنفسنا على أن تفعل ذلك في كلّ عام بمجرّد أن ندخل في ليلة القدر.
أمّا إذا تركنا هذه الأمور للصدف، واشتركنا – مثلاً – في مجلس روحيّ وكان الخطيب بارعاً واستطاع أن يوقظنا من نومنا،
وأن يجعلنا نفكّر في أن نغيّر حياتنا لفترة موقّتة، فنقول سنحاول أن نغيّر أنفسنا إن شاء الله.
فانّ مثل هذا التفكير غير منطقيّ، وغير مقبول شرعاً.
فالإنسان يجب أن يكون هو واعظ نفسه بالدرجة الأولى، وأن لا ينتظر من الآخرين أن يفعلوا له ذلك،
لأنّ ذلك مشروط بأن يبادر الإنسان نفسه الى تغيير ذاته وخصوصاً في ليالي القدر المباركة التي هي بمثابة الوقود الذي نتـزوّد به لتحصين أنفسنا ضد الأهواء.
فرص ثمينة للتوبة
فتلك الساعات التي نحياها في ليلة القدر هي الفرص المتاحة لنا للتوبة النصوح والانابة الى الله، إنها الساعات التي نرجع فيها إلى ربّنا أذلاّء خاضعين خاشعين،
فنطهّر بذلك قلوبنا من الكبر وجنون العظمة بالبكاء والتضرّع والتذلّل والتصاغر والتحاقر لله.
فأنت مؤمن وتعرف أنّ الكبرياء والعظمة إنّما هما لله سبحانه، فليس لك أن تتكبّر وتصاب بالغرور فتأمن سخط الله ومكره وعذابه،
فاذرف من تلك الدموع ما شئت لتطفئ تلك الوديان، وديان السعير التي أُجِّجت لعصيانك وكفرك، وتب الى الله توبة نصوحاً،
واعبده وأحسن عبادته وأكثر منها، ولا تقل صلّيتُ ما فيه الكفاية، وقرأت من الدعاء ما يكفي، فلا تستكثر إيمانك،
فأنت مهما عبدت وصلّيت وأخلصت بقيت محتاجاً وفقيراً في عملك الى الله،
وإنّه لمن بقايا الكبر والغرور أن ترى نفسك قد بلغت درجة عالية من الإيمان، لأن المسيرة الإيمانية، مسيرة التقوى،
هي كمسيرة العلم، فأنت مهما تعلّمت فإنّك تبقى لا تعلم شيئاً، وهذا المنهج في التقوى علّمنا إيّاه أئمتنا من أهل البيت عليهم السلام في أدعيتهم وتبتّلهم ومناجاتهم.
من كتاب ليلة القدر معراج الصالحين للعلامة السيد محمد تقي المدرسي
وهذه المنابع موجودة ومتوفّرة في ليلة القدر كما أن الإنسان تلزمه إعادة النظر في حياته الروحية في ليلة القدر،
ولعظمـة هذه الليلة وأهميّتها لما أكّد عليها الخالق عز وجل كلّ هذا التأكيد الذي يفوق أيّ تأكيد آخر على أية مناسبة أخرى،
لأنها - أي هذه الليلة - مفعمة بالمعاني والدلالات الروحيّة، ولذلك جاء التأكيد على أداء الممارسات العباديّة فيها،
ومنها الصلاة المندوبة التي على الإنسان المسلم أن يؤدّيها فرادى لكي لا يختلط عمله بالرياء.
فصلاة الليل هي الصلاة التي سنّت وشرعت لتكريس العلاقة الروحية، هذا التكريس الذي لا يمكن أن يحدث إلاّ إذا أدّى الإنسان العبادات بعيداً عن الناس.
ترى من منّا فكّر أن يخلو الى نفسه في زاوية من الزوايا ليلة أو ليلتين ليعيد النظر في علاقته مع الله عز وجل،
وفي سلوكه وتصرّفاته؟ ومن منّا فكّر في أنه هل هو من أهل الجنّة أم من أهل النار، وهل أنّ أعماله قرآنية أم لا؟
وإذا ما مات الإنسان فإنّ فرصته لا يمكن أن تعود، فلماذا يستمرّ في خداع ذاته، ولماذا لا يتنبّه من غفلته، وقد ورد: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا".
وأنا أتصوّر إنّ الإنسان يشبه الى حد كبير الرجل الذي ابتلع مجموعة ضخمة من الحبوب المنوّمة،
وهو يعرف أن علاجه أن يستيقظ من النوم ليداوي ويعالج نفسه بقوّة إرادته، ثم هو يوقظ نفسه ولكن لعدة دقائق تضعف إرادته
بعدها ليتغلّب عليه النوم مرّة أخرى، ثم ينتبه مرّة أخرى من خلال عامل إيقاظ ذاتي أو خارجي ثم إذا به ينام مرّة أخرى وهكذا.
وحتى ينتبه الانتباه المطلوب فانه بحاجة الى المزيد من الوقت.
وقد أثبت علم النفس الحديث ان الإنسان إذا تعوّد - مثلاً- أن يطالع في غرفة معينة ووفق شروط خاصّة خلال ساعة محدّدة،
فعندما يحين الوقت يجد نفسه مشدوداً الى المطالعة دون إرادته، وهذه عادة النفس البشرية.
النقد الذاتي
ولو أنّنا خصّصنا في كلّ عام ليلة القدر لإعادة النظر في حياتنا، وفي علاقتنا بالله جل وعلا،
وفي مجمل سلوكنا ومناهجنا وطرق تفكيرنا، لتعوّدت أنفسنا على أن تفعل ذلك في كلّ عام بمجرّد أن ندخل في ليلة القدر.
أمّا إذا تركنا هذه الأمور للصدف، واشتركنا – مثلاً – في مجلس روحيّ وكان الخطيب بارعاً واستطاع أن يوقظنا من نومنا،
وأن يجعلنا نفكّر في أن نغيّر حياتنا لفترة موقّتة، فنقول سنحاول أن نغيّر أنفسنا إن شاء الله.
فانّ مثل هذا التفكير غير منطقيّ، وغير مقبول شرعاً.
فالإنسان يجب أن يكون هو واعظ نفسه بالدرجة الأولى، وأن لا ينتظر من الآخرين أن يفعلوا له ذلك،
لأنّ ذلك مشروط بأن يبادر الإنسان نفسه الى تغيير ذاته وخصوصاً في ليالي القدر المباركة التي هي بمثابة الوقود الذي نتـزوّد به لتحصين أنفسنا ضد الأهواء.
فرص ثمينة للتوبة
فتلك الساعات التي نحياها في ليلة القدر هي الفرص المتاحة لنا للتوبة النصوح والانابة الى الله، إنها الساعات التي نرجع فيها إلى ربّنا أذلاّء خاضعين خاشعين،
فنطهّر بذلك قلوبنا من الكبر وجنون العظمة بالبكاء والتضرّع والتذلّل والتصاغر والتحاقر لله.
فأنت مؤمن وتعرف أنّ الكبرياء والعظمة إنّما هما لله سبحانه، فليس لك أن تتكبّر وتصاب بالغرور فتأمن سخط الله ومكره وعذابه،
فاذرف من تلك الدموع ما شئت لتطفئ تلك الوديان، وديان السعير التي أُجِّجت لعصيانك وكفرك، وتب الى الله توبة نصوحاً،
واعبده وأحسن عبادته وأكثر منها، ولا تقل صلّيتُ ما فيه الكفاية، وقرأت من الدعاء ما يكفي، فلا تستكثر إيمانك،
فأنت مهما عبدت وصلّيت وأخلصت بقيت محتاجاً وفقيراً في عملك الى الله،
وإنّه لمن بقايا الكبر والغرور أن ترى نفسك قد بلغت درجة عالية من الإيمان، لأن المسيرة الإيمانية، مسيرة التقوى،
هي كمسيرة العلم، فأنت مهما تعلّمت فإنّك تبقى لا تعلم شيئاً، وهذا المنهج في التقوى علّمنا إيّاه أئمتنا من أهل البيت عليهم السلام في أدعيتهم وتبتّلهم ومناجاتهم.
من كتاب ليلة القدر معراج الصالحين للعلامة السيد محمد تقي المدرسي