خديجة بنت خويلد (عليها السلام) الزوجة المحسودة
ذكرى وفاة سيدة نساء عالمها خديجة الكبرى (عليها السلام) في العاشر من شهر رمضان
[line]ذكرى وفاة سيدة نساء عالمها خديجة الكبرى (عليها السلام) في العاشر من شهر رمضان
كما أن لهذا الشهر الكريم الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان.. شهر رمضان المبارك، شأناً ومنزلة عظيمة الشأن؛ ومن جملتها ذكرى وفاة سيدة نساء قريش وأعظم وأخلص نساء النبي (صلى الله عليه وآله) عند الله ورسوله، ألا وهي خديجة بنت خويلد سلام الله عليها. هذه المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وآمنت بالرسول حين كذبه الناس، وكانت (سلام الله عليها) تمثل أعلى القيم الأخلاقية والإيمانية تجاه زوجها النبي (صلى الله عليه وآله) والدين، حيث قدمت كل ما تملك من أجل نصرة هذا الدين الحنيف.
في الأخبار الواردة أن الإسلام لم يقم إلا بمال خديجة وسيف علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما)، كما صرّح به رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله)، وهذه شهادة عظيمة المنزلة والقدر لمولاتنا وسيدتنا خديجة (عليها السلام) من خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله). وإليك عزيزي القارئ نبذة مختصرة عن حياة هذه المرأة العظيمة.
ولادتها واسمها وكنيتها (عليها السلام):
ذكر المحدّث الجليل العلامة المجلسي (قدس سره): أنها (صلوات الله عليها) وُلدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة، واسمها الشريف: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وينتهي نسبها إلى لؤي بن فهر بن غالب.
وأما كنيتها: فإنها كانت تكنى بأم هند (البحار ج16، ص12).
وذكر هذه الكنية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني (ج16، ص12).
وذكر الهيثمي: وكانت في الجاهلية تسمى الطاهرة (مجمع الزوائد ج9، ص218).
وذكر الزرقاني في شرحه: وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدّة عفافها. وكانت تسمى سيدة نساء قريش (شرح المواهب اللدنية ج1، ص199).
تزويجها (صلوات الله عليها):
روى الشيخ الصدوق (قدس سره) قال: وخطب أبو طالب (سلام الله عليه) لما تزوج النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بعد أن خطبها إلى أبيها، ومن الناس من يقول: من عمها؟ فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش حضور، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي محمداً (صلى الله عليه وآله) بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلّ فإن المال رزق عائل وظلّ زائل وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم.
فزوّجه ودخل بها من الغد، فأوّل ما حملت ولدت عبد الله بن محمد (صلى الله عليه وآله). (من لا يحضره الفقيه: ج3 ص251).
وذكر هذه الخطبة الشيخ المفيد (قدس سره) (رسالة في المهر: ج29/9) والطبرسي في مكارم الأخلاق (ص205).
وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم:
هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت***لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوّجت خير البرية كلها***ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشّر به البران عيسى بن مريم***وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرّت به الكتاب قدماً بأنه***رسول من البطحاء هاد ومهتد
(فروع الكافي: ج5 ص374).
أبناؤها:
قال الشيخ الكليني (رحمه الله): وتزوج - النبي (صلى الله عليه وآله) - خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد منها قبل مبعثه (صلى الله عليه وآله) القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث: الطيب والطاهر وفاطمة (عليها السلام). (أصول الكافي: ج1 ص439).
وهناك من يذهب إلى أن رقية وزينب وأم كلثوم كنّ بنات هالة أخت السيدة خديجة، وكانت خالتهن قد تكفّلت بتربيتهنّ، والله العالم.
معاشرتها للرسول (صلى الله عليه وآله) وحبّه لها وحبّها له:
لقد كانت هذه المرأة العظيمة في غاية الإخلاص والاحترام للرسول (صلى الله عليه وآله) لا سيما في أصعب الظروف التي مرت به (صلى الله عليه وآله)، فكانت مؤنسته عندما يرجع إلى بيته (صلى الله عليه وآله) فتزيل عنه الهموم والغموم والآلام وتستقبله بالحب وتسمعه أجمل الكلمات التي من شأنها أن تذهب عنه الآلام والجراح التي تحمّلها لأجل إثبات هذه الرسالة الخالدة العظيمة.
ومما يدل على ذلك ما جاء في البحار: (كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدّقت بما جاء من الله ووازرته على أمره، فخفّف الله بذلك عن رسوله (صلى الله عليه وآله) وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرّج الله ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها إذا رجع إليها تثبّته وتخفّف عنه وتهوّن عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله) (البحار: ج16 ص10).
أما حب النبي وإخلاصه لها فقد ذكر الكنجي الشافعي عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: ما غرت على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) إلا على خديجة، وإني لم أدركها. وكان رسول الله إذا ذبح شاة يقول: أرسلوا بها أصدقاء خديجة. قال: فأغضبته يوماً فقلت: خديجة، فقال: إني رزقت حبّها (كفاية الطالب: ص359).
وذكر عن عائشة أيضاً، قالت: لم يتزوّج النبي (صلى الله عليه وآله) على خديجة حتى ماتت (صلوات الله عليها). (المصدر نفسه).
وذكر العلامة المحقق الأربلي (قدس سره) قال: وعن علي (صلوات الله عليه) قال: ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة يوماً وهو عند نسائه فبكى، فقالت له عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟
فقال (صلى الله عليه وآله): صدقتني إذ كذّبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم. قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله بذكرها. (كشف الغمة في معرفة الأئمة: ج1 ص508).
حسد عائشة لخديجة (سلام الله عليها):
عن عائشة قالت: ما حسدت أحداً ما حسدتُ خديجة، وما تزوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بعدما ماتت (عليها السلام)، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. (سنن الترمذي: ج5 ص659).
أنظر أيها القارئ الكريم لهذه التي عندهم أفضل النساء كيف تصرّح بأنها حسدت خديجة (عليها السلام) مع أن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: (ولا تحاسدوا) ويقول (صلى الله عليه وآله): (قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد).
ذكر ابن الجوزي عن عائشة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة (عليها السلام) فيحسن عليها الثناء. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها؟ قالت: فغضب حتى اهتزّ مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أخلف الله لي خيراً منها، لقد آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل أولادها إذ حرمني أولاد الناس. قالت: فقلت بيني وبين نفسي لا أذكرها بسوء أبداً. (صفة الصفوة: ج2 ص4. وذكر قريباً منه الذهبي في سير أعلام النبلاء: ج2ص112).